تحرر المرأة والاشتراكية الثورية

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

تحرر المرأة والاشتراكية الثورية (بالإنجليزية: Women's liberation and revolutionary socialism) هو مقال طويل من تأليف كريس هارمن ونشر المجلة الاشتراكية العالمية (International socialism)، في العدد رقم 23، سنة 1984، والمجلة هي دورية اشتراكية يصدرها حزب العمال الاشتراكي البريطاني (Socialist Workers Party SWP). وترجم ونشر موقع "بوابة الاشتراكي" المقال إلى اللغة العربية. ويعد المقال من أبرز المقالات النسوية الماركسية.

مُلخص ونقد المقال

مُقدمة

ينطلق المقال في رؤيته لاضطهاد النساء من تحليل تاريخي مادي، يربط بشكل مباشر ما بين ظهور المجتمع الطبقي واضطهاد النساء، فيقول الكاتب:

ظهرت الانقسامات الطبقية بمجرد تمكن الإنسان من إنتاج فائض فوق الحاجة الضرورية للبقاء بالنسبة للمجتمع كَكُل نتيجة للتقدم في قوى الإنتاج (...) لقد أفسح ذلك مجالاً لمزيد من التطور لقوى الإنتاج ومن ثَم تطور الحضارة والفن واثقافة. ولهذا السبب صاحب نمو الفائض تباعد مستمر بين الطبقة المُستَغِلة والطبقة المُستَغَلّة. فقد أدى نمو الفائض إلى النمو في تقسيم العمل وتطور الذين احتلوا مواقع معينة إلى متحكمين بالفائض.

يُرجع الكاتب اكتساب الفوارق البيولوجية بين النساء والرجال أهمية لم تكن عليها من قبل إلى الاتجاه الى تقسيم العمل في المجتمع الطبقي، فيقول أنه على سبيل المثال، "عندما تتحول المجتمعات من الحرث بالمجراف- الذي يُمكن للنساء عمله على الرغم من عبئ الحمل – إلى استخدام المحاريث الثقيلة أو الماشية، تتم إزاحة النساء من الأدوار الرئيسية في الإنتاج وينتقل الفائض إلى سيطرة الرجال."

كما يرى أن في المجتمعات التي يوجد بها طبقات مُستَغِلة متطورة، كانت أدوار النساء لا يتخطى دور التابع للأب (البطريرك)، فيكون الأب هو المُتحكم في تفاعلات كل أعضاء العائلة مع العالم الخارجي ويعامل النساء في العائلة كأحد ممتلكاته. وبالرغم من أن الرجال كانوا هم المهيمنين إلا إنه لم تكن جميع النساء تحت هيمنة كل الرجال، فيقول الكاتب أنه كان يوجد رجال مضطهدين أيضاً، مثل "العبيد الرجال في العصور القديمة أو الكادحون في خدمة الأسر البطريركية"، فلم يكن لهؤلاء حرية أكبر من تلك التي عند النساء.

ويرى الكاتب أن تطور قوى الإنتاج وظهور المُجتمع الطبقي وزيادة الفوارق بين الطبقات المُستَغِلة والطبقات المُستَغَلة وما ترتب على ذلك من تقسيم العمل تطلب وجود أيدولوجية إجتماعية مُصاغة من قِبَل المؤسسات القابضة على الوعي الجمعي للمجتمعات كالمؤسسات الدينية والتشريعات القانونية ... إلخ لتعيد إنتاج الأنماط المختلفة للأدوار الإجتماعية للنساء والتي أصبح يتطلبها نظام الإنتاج. فبهذا يرى الكاتب أن الأبوية هي أيدولوجية نابعة من النظام الطبقي (والرأسمالي فيما بعد) لخدمة المصالح الإجتماعية للطبقات المُستَغِلة،ولكنه لا يرى في أى جزء من تحليله أن الأبوية أًصبحت نظام قائم بحد ذاته، أسسته وتعيد إنتاجه المؤسسات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية.

الأسرة الرأسمالية

يرى الكاتب أن الرأسمالية هي أكثر أنظمة الإنتاج ثورية، حيث "تحكم قبضتها على جميع مؤسسات المجتمعات الطبقية السابقة وتعيد تشكيلها دون أن تكترث لهرميتها أو تحيزاتها، وتتعامل الرأسمالية مع تلك المؤسسات إما بإعادة تكوينها أو بتحطيمها من الأساس لتستحدمها في دفع عجلة الإنتاج والتراكم، "فالرأسمالية تبقي على جوانب معينة في أسرة ما قبل الرأسمالية لكي تعيد صقلها بما يتماشى مع مصالحها".

في المراحل الأولى من الرأسمالية الصناعية، مالت الرأسمالية لتدمير الروابط العائلية بين صفوف الطبقة العاملة الصناعية، ولكن سرعان ما أدرَكَت أهمية الأسرة كتكوين إجتماعي يُعاد من خلاله إنتاج الطبقة العاملة الجديدة لتعزيز الإنتاج والتراكم، فلم تتمتع الرأسمالية حينها بالتكنولوجيا والموارد اللازمة للقيام بذلك الدور بشكل إجتماعي (كإنشاء حضانات ومطاعم إجتماعية ... إلخ). فأبقت الرأسمالية على مؤسسة الأسرة البطريركية مع مزجها داخل أسرة الطبقة العاملة الجديدة كنواة لإعادة إنتاج الطبقة العاملة، واستعانت في ذلك بالأيدولجيات المرتبطة بالأسرة القديمة (كالنصوص والشعائر الدينية ... إلخ) حتى يتقبل العمال والبورجوازيون الصغار الشكل الجديد للأسرة، "لم تَكُن الأيدولوجية البطريركية هي حافز الطبقة الحاكمة بل المصلحة المادية التي تتطلب تأمين امدادات من القوى العاملة".

نادراً ماكان يتحقق الشكل النموذجي للأسرة النواة الجديدة، والمُكونة من الأب والأم والأبناء، وذلك بسبب نُدرة وجود رأسماليين أفراد مهيئين لدفع "أجر الأسرة" للعامل الرجل، مما دفع الكثير من نساء الطبقة العاملة إلى القيام بالوظائف المُتاحة والتي غالباًما تكون غير مرتبطة بالإنتاج مثل أعمال منزلية بأجر وأعمال موسمية شاقة علاوة على الأعمال المنزلية الملاصقة لدورهن الإجتماعي كتنشئتها للأطفال ورعايتهم. و لكن "بقى نموذج العائلة المثالي متطابق مع احتياجات تراكم رأس المال على المدى البعيد". ويرى الكاتب أن اضطهاد نساء الطبقة العاملة في الأسرة الرأسمالية الجديدة نابع من إنقطاعهن عن العالم الخارجي واعتمادهن بشكل كلي على أزواجهن. ويضيف الكاتب أنه: "بالرغم من اختلاف العامل عن البطريرك القديم في عدم تحكمه في أى فائض، إلا أنه يستطيع أن يتخيل نفسه كالبطريرك: فهو يتحكم في المورد الذي يعيل منه العائلة ويستطيع أن يتخيل أن مرتبه ملك له ويستطيع التصرف فيه كيفما يشاء (...) فلقد خلقت العائلة الجديدة انشقاقاً في الطبقة العاملة بتشجيعها للعمال الذكور على تبني قيم مستغليها".

اضطهاد المرأة في ظل الرأسمالية

يستشهد الكاتب بعبارة ماركس "الأفكار السائدة في مجتمع ما هي أفكار طبقته الحاكمة"، ويقول الكاتب "إن اضطهاد النساء ليس مادياً فقط فهو مُدعم بسد كامل من العناصر الأيدولوجية"، وهنا يتسائل البعض هل الطبقة الحاكمة هي طبقة شديدة التماسك وأيدولوجيتها ومبادئها موحدة؟ يُمكن أن تكون دوافع الطبقة الحاكمة واحدة وهي الحفاظ على مصالحها المادية والإقتصادية مما يتطلب الحفاظ على النظام الطبقي والتراتبي وتُحقق ذلك من خلال استخدام واعادة انتاج المؤسسات الإجتماعية والسياسية وتعيد تشكيلها أيضاً بما يتناسب مع مصالحها، ولكن يتجاهل الكاتب التفاعلات والتناقضات الموجودة بالفعل داخل الطبقة الحاكمة، كما يتجاهل المكاسب الممكن تحقيقها من خلف تلك التناقضات والتي من الممكن أن تستفيد منها النساء والمضطهدين من الفئات الاجتماعية الأخرى.

يؤكد أيضاً الكاتب أنه بموجب تقسيم العمل داخل الأسرة لصالح تراكم رأس مال الطبقة الحاكمة، بدأت تكتسب ثنائية النوع الاجتماعي أهميتها وتتحدد صورتها شيئاً فشيئ مما يغذي نمط تقسيم العمل الجديد في ظل الرأسمالية، ومما جعل من تلك الثنائية شديدة التضاد يتحدد شكلها وأدوارها الإجتماعية وصفاتها وفقاً للمعايير المطلوبة للإنتاج. كما يُفاضل الكاتب بين وضع النساء في أسرة الطبقة العاملة والنساء في الأسر البُوجوازية، فبالنسبة له "تُقيد نساء الطبقة الحاكمة بالمنزل بلا جدوى وبلا تعب على عكس وضع نساء الطبقة العاملة"، حيثُ في أسر الطبقة الحاكمة كانت تُعفى النساء من عبئ الأعمال المنزلية وذلك من خلال تعيينهم للمربيات والخدم في حين أنه في نفس الوقت كانت تُعامل نساء تلك الطبقة كممتلكات وسلع للزينة لأزواجهن.

ويقول الكاتب أن نموذج الأسرة عمل "كآلية للحفاظ على تماسك أسرة الطبقة العاملة وعلى مسيرة النظام"، ولكن مع تطور النمو وتراكم رأس المال تطورت حاجة النظام للتوسع، وكان المجهود المبذول للإبقاء على إنتاج أجيال جديدة من الطبقة العاملة يتطلب مجهود شاق من النساء حيث كانت تحمل النساء في الطبقة العاملة ثمانية أو عشرة مرات بسبب وصول نسبة الوفيات بين الأطفال قبل بلوغ سن الخامسة إلى 60%، ولكن ومع التطور بدأت تظهر تقنيات جديدة تساعد على تقليل المجهود المبذول من النساء في إعادة إنتاج الطبقة العاملة، فوجود ماكينات جديدة كالغسالة والمكنسة الكهربائية والثلاجة ... إلخ قلل من الجهد المبذول من النساء داخل الأسرة، وهذا لم يُفضي إلى شعورهن بالاغتراب داخل المنزل ولكنه أفسح مجالاً لتفكيرهن بالعمل خارج إطار الأعمال المنزلية.

ويضيف الكاتب أنه "من وجهة نظر الرأسمالية الناضجة، إن في بقاء المرأة في المنزل لرعاية زوجها وطفلين اهدار لفائض قيمة ممكن الحصول عليه، فالنظام لا يرى في عمل المرأة طوال النهار في المنزل تعزية كافية مادام يمكن استبدال عملها بما هو أكثر كفاءة مع تحويلها لعبودية الأجور" ولذلك فبدأ يشهد النظام ميل للتقليل من شأن الأسرة، وذلك لثلاثة أساب رئيسية وهم:

  1. لا تستطيع الرأسمالية توفير الاستثمار اللازم في الرعاية الاجتماعية والصحية للأطفال خاصةً في فترات التوسع.
  2. إن شكل العائلة مهم جداً بالنسبة للرأسمالية، لأن إيمان المرأة بأن الدور الإجتماعي الذي تقوم به هو واجبها وعملها الطبيعي، هو ما يجعلها تقبل بالعمل خارج المنزل بأجور أقل من الرجال. وتستطيع المؤسسات الُمهيمنة على صناعة الوعي الجمعي (مثل الكنيسة) أن ترفع شعارات مثل الحفاظ على العائلة لتوفير بعض التوازنات الأيدولوجية للنظام، في حين أن الحكومات تحرر قوانين ضد الإجهاض وتتباطأ في تشريع قوانين الطلاق،"بالرغم من أن هذه المسائل لا تُشكل في ذاتها أهمية بالنسبة للاحتياجات الإقتصادية للنظام"، مما يجعل البعض يتساءل حول طبيعة التمييز المبني على أساس النوع الاجتماعي، هل هو مُجرد جزء من أيدولوجية ناتجة عن النظام الطبقي لتعزيز فُرص تراكم رأس المال ومبني على أساس العوامل المادية والمصالح الاقتصادية للطبقة الحاكمة؟ أم أنه نابع من نظام أبوي متكامل يُغذي ويتغذى على النظام الطبقي الرأسمالي ويتقاطع معه؟
  3. ما ترتب على الأزمة الافتصادية هو دخول نساء كثيرة لسوق العمل، وبالرغم من وجود مؤسسات راسخة تدافع عن شعار الحفاظ على العائلة، إلا أن ذلك لم يؤثر على الزيادة المستمرة لدخول النساء إلى سوق العمل ولكنه منع النظام عن القيام بالاستثمارات اللازمة لمساعدتهن.

لا توجد نهاية لاضطهاد المرأة في ظل الرأسمالية

يرى الكاتب أنه لن توجد نهاية لاضطهاد النساء إلا بقيام ثورة على النظام الطبقي القائم على الملكية الخاصة، ولكن هذا بدوره لن يكون ممكنناً إلا في حالة وجود ثورة على كل العلاقات الاجتماعية المرسخة للنظام، وإن هذا لن يتحقق إلا بتحقيق ظرفين:

  1. في حالة وجود عصر جديد للتوسع الرأسمالي، تنمو فيه القدرة على استخدام الماكينات للقيام بجميع أعباء الأعمال المنزلية ، مما يساعد على إعادة إنتاج الأعمال المخصخصة بأخرى اجتماعية.
  2. في حالة قيام الثورة الاشتراكية،"سيتم تكريس بعض الموارد المهدرة في ظل الرأسمالية لتوفير الأساس المادي الحقيقي للرعاية الاجتماعية للطفل والمنزل" ، ولكن في نفس الوقت يرى الكاتب أنه حتى بعد احلال النظام المادي الذي يقوم عليه اضطهاد النساء "لن يتوقف االتراث الأيديولوجي للرأسمالية بما يتضكم كم تمييز ضد المرأة"، مما يجعل البعض يرى أن الكاتب يتجاهل تماماً التفاعلات الاجتماعية الناتجة عن البنية الطبقية للنظام الاقتصادي، فاذا كان اضطهاد النساء قائم فقط على أساس مادي فسيكون من الضروري أن يترتب محي للتميز المبني على أساس النوع الاجتماعي عند محي الأسس المادية للتمييز ، ولكن استنتاج الكاتب نفسه يجعلنا نرى أن التمييز على أساس النوع هو تمييز هيكلي قائم على إعادة إنتاجه مؤسسات إجتماعية وسياسية وقد اكتسب ديناميكيات وتفاعلات وعوامل مستقلة عن الصراع الطبقي ولكنها في نفس الوقت تُغذيه وتتغذى عليه وتتقاطع معه.

الرأسمالية وأزمة الحركة النسائية

هناك ثلاث بدائل لحركة النساء من أجل انتزاع حقوقهن، خاصةً في سياق استحالة تحقق تحرر النساء في ظل الرأسمالية، البدائل الثلاثة هم:


1- "هجر هدف التحرر لصالح مواصلى الاصلاحات المحدودة والممكنة في النظام الحالي"

2- "محاولة عزل المرأة عن المجتمع الراهن وذلك بتكوين مؤسسات انفصالية مضادة"

3- "الارتباط بتحديات الطبقة العاملة في مواجهة المجتمع القائم كالسبيل لتحطيم البنيات المسئولة عن اضطهاد المرأة"


يرى الكاتب أن الحركات النسائية (النسوية) ارتبطت في الكثير من المجتمعات بصعود وهبوط حركة الطبقة العاملة، فيقول أنه في المجتمعات التي كانت بها حركات عمالية قوية توجهت الحركات النسوية نحو مطالب وأهداف تخُص نساء الطبقة العاملة، بينما في المجتمعات ذات الحركات العمالية الأضعف "سيطرت النسوية من ناحية والانفصالية من ناحية أخرى على حركات المرأة"


يصف الكاتب الحركات النسوية المستقلة بالحركات الانفصالية، ويقول أن الإنفصالية والاصلاحية يعززان من بعضهما البعض، ويرى أن ابتعاد الحركات النسوية عن حركة الطبقة العاملة يعني بالضرورة انخراط الحركات النسوية في نضلات "لا تحقق سوى أغراض هامشية" ، كما يقول أنه في ظل النظام الرأسمالي لا توجد أى قوة قادرة على تحقيق تغيير جذري في النظام سوى "الطبقة العاملة".


يقارن الكاتب بين الحركات النسوية وحركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية، ويرى أن مثل هذه الأنماط من الحركات الإجتماعية الغير مرتبطة بشكل مباشر بالحركة العمالية، يمكنها أن تبدأ كحركات ضد النظام بشكل جذري ولكنها تتوقف في لحظة ما عند نقطة معينة، ولا تستطيع أن تدفع النضال إلى أبعد من تلك النقطة، وتتحول لحركات معنية بتحقيق أهداف لمصلحة أفرادها الأكثر إمتيازاُ.


نظريات خاطئة عن اضطهاد المرأة

يناقش وينتقد الكاتب في تلك الجزئية من المقال "النظرية البطريركية" التي خلقتها الحركات النسوية في الستينات والسبعينات. ينقسم منظرو/ات البطريركية في وجهة نظر الكاتب إلى قسمين أساسيين، القسم الأول هو الجانب الذي يرى أن اضطهاد النساء قادم بالأساس نتيجة لسيطرة الرجل ، دون الرجوع لأى تحليل متعلق بتقسيم المجتمع إلى طبقات اقتصادية، وترى أن "الرجال منتفعين من اضطهاد المرأة في كافة المجتمعات، وساعين لإبقاء ذلك الاضطهاد حتى في حالة قيام الثورة الاشتراكية"


يرى الكاتب أن الأساس النظري للنظرية البطريركية ضعيف جداً، حيثُ أنه يفتقد لتحليل تاريخي لمصدر هيمنة الرجال تلك، فلا يوجد تحليل منطقي لكيفية إخضاع الرجال للنساء كما يحدث حالياً، ويرى الكاتب أنه في تلك الحالة لن تتمكن الحركات النسوية من ايجاد طريقة لتجاوز الاضطهاد، بسبب عدم قدرتها على إيجاد تحليل لمصدر الهيمنة الذكورية والأيدولوجية البطريركية التي تعيد إنتاج وتعزز من وجود تلك الهيمنة.


القسم الثاني هو الجانب من منظري/ات البطريركية الذي يلجأ للتحليل المادي "لكنهم يلجأون لمادية تتجرد من المجتمع الطبقي" مما يجعل تحليلاتهم قائمة على أساس الاختلافات البيولوجية بين النساء والرجال.

يضرب الكاتب مثالاً بإحدى المنظرات "هيدي هارتمان" والتي ترى أن هناك نمطان للإنتاج، وهما نمط الإنتاج البيولوجي ونمط الإنتاج المادي/الإقتصادي، وتقول أن "يتحكم الرجال في عمل المرأة ويقيدون حريتها الجنسية" مبرهنة مقولتها باقتباس إحدى جمل إنجلز في كتابه أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة حيث يقول "إن العامل المحدد للتاريخ هو (...) انتاج واعادة انتاج الحياة على المدى القصير فمن ناحية هناك إنتاج وسائل البقاء من غذاء وملبس ومأوى والأدوات اللازمة لذلك الانتاج ومن ناحية أخرى (...)" ، فبالنسبة لها يتحكم الرجال في نمط الإنتاج الاقتصادي حتى يفرضوا هيمنتهم على الانتاج البيولوجي (الحياة الجنسية للنساء)


يقول الكاتب أن ما تقوله هيدي هو متضارب تماماً مع ما كان بعنيه إنجلز، فإنه يرى أنه لا يوجد نمطان للإنتاج ، يوجد فقط نمط واحد يتكون من مزيج بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج، وأى تغير في قوى الإنتاج يؤدي لتغير في علاقات الإنتاج، ف "تولد كل زيادة في قدرة الإنسان في التحكم في الطبيعة، علاقات جديدة بين البشر ، وبالتالي تتحول علاقات الإنتاج السابقة".


يفارق الكاتب بين ذلك وبين نمط اعادة الإنتاج، والمقصود به إعادة إنتاج الإنسان لنفسه، قيقول الكاتب أن الإنسان لا يبحث عن طرق جديدة لإعادة إنتاج نفسه، بما يعني أن نمط إعادة الإنتاج هو نمط ثابت نسبياً. وبالتالي إذا نظرنا لنمط إعادة الإنتاج وكأنه هو ما يحدد تطور التاريخ الانساني، سنجد أنه لن يكون هناك أى تطور تاريخي لأن نمط إعادة الإنتاج هو نمط ثابت.


واذا افترضنا أن علاقات إعادة الإنتاج (المقصود بها العائلة) تتحدد قَبل قوى إعادة الإنتاج (المقصود بها أفراد العائلة وأدوارهم الإجتماعية) ، فسيقودنا ذلك إلى أن إضطهاد النساء موجود منذ الماضي وسيظل قائم في المستقبل. ومن هنا يستنتج الكاتب أن علاقات إعادة الإنتاج (العائلة) تتغير شأنها شأن بقية العلاقات بمعنى أنها تأتي ك "نتيجة للتغير المادي في قوى إعادة الإنتاج"، إذاً تنشأ علاقات إعاة الإنتاج (العائلة) من الظروف المادية للإنتاج وليس من نمط معين لإعادة الإنتاج.


يقول الكاتب أن النظرية البطريركية ترفض هذا التحليل، وتُقدم صورة للمجتمع المعاصر توحي بأنه قد تشكل لغرضين: "الأول هو النزعة لتراكم رأس المال عن طريق الاستغلال، والآخر هو مؤامرة الرجال من كل الطبقات لاخضاع نساء جميع الطبقات". يرى الكاتب أن هذه النظرية تتوافق بشكل أساسي مع شرائح الإنفصاليين والإصلاحيين من الحركات النسوية، الذين يروا "التاريخ كصراع على القوة بين الجنسين".


نظريات منتصف الطريق

يناقش الكاتب في هذا الجزء من المقال محاولة بعض الماركسيات الثوريات إيجاد نظرية مبنية على تحليل ماركسي ثوري لتفسير إضطهاد النساء، بعيداً عن النظرية البطريركية. ولكنه ينتقدهن بسبب خضوعهن في بعض أطرحوتهن للنظرية البطريركية وأكثر ما ينتقده الكاتب هو إستخدام بعض الماركسيات الثوريات لأطروحة "نمطي الإنتاج" كجزء من تحليلاتهن.


يستدعي الكاتب نقاش دار بين الإشتراكيتين الثوريتين جوان سميث (Joan Smith) و آيرين بروجيل (Irene Bruegel)، عام 1982. في هذا النقاش بدأت جوان أطروحتها مدللة على أهمية دور العائلة بالنسبة للرأسمالية وأن تلك الأهمية تلعب دوراً أساسياً في اضطهاد النساء، ودعمت موقفها بنظرية "نمطي الإنتاج"، وكان رأي جوان أن العائلة الحالية هي سمة من سمات نمط الإنتاج الرأسمالي شأنها كشأن استغلال العمال، وقالت أن العائلة جزء من البنية التحتية للنظام وليست جزء من البنية الفوقية. "وبررت موقفها باعتماد الرأسمالية على العمالة الحرة التي يستحيل الحصول عليها بدون إعادة الإنتاج في بيوت خاصة".


أخذت آيرين رؤية الكاتبة النسوية كات أنيس، والتي تفيد بأنه يمكن للرأسمالية أن تستغني عن العائلة نظرياً لكن من الناحية العملية سيتطلب ذلك تغيرات كبيرة في المجتمع يصعب تخيل حدوثها، وطورتها في ردها على جوان قائلة أن الرأسمالية جعلت أجزاء معينة من عمل المنزل اجتماعية لكي تصبح المرأة متاحة للإستغلال في سوق العمل وبالتالي فإن العائلة هي بنية فوقية، "ظهرت كاستحداث خلقته متطلبات التراكم في مرحلة معينة من تطور الرأسمالية".


ولكن اتخذت آيرين في نفس الوقت اتجاه في تحليلها غير مبني على تحليل اقتصاديات الاقتصاد الرأسمالي ولكنه مبني على أساس احتياجات رجال الطبقة العاملة السيكولوجية حيث وافقت على رأي آن فورمان التي أرجعت وجود العائلة إلى "السلوى التي تحققها للرجال في ظل مجتمع الاغتراب الذي يعيشون فيه. وهي سلوى لا تتمتع بها النساء".

تنتقد جوان تحليل آيرين قائلة

"اذا اتبعنا أسلوب آن فورمان في التحليل، تصبح الصفات الجنسية الأنثوية والتناقض الكامل بين المذكر والمؤنث هي الأسباب وراء اضطهاد المرأة بدلاً من المظاهر الأيدولوجية للاضطهاد الواقع. إن هذا في الأساس تحليل مثالي ل،ه يجعل الأشكال الأيدولوجية التي تضطهد المرأة وليدة علاقات النساء بالرجال الذين يعيشون معهم".

استكملت جوان في المحور الثالث لتحليلها متبنية نظرية أن الدولة (دولة الذكر) هي مصدر اضطهاد المرأة بقوانينها التي تسيطر على المرأة والسوق الرأسمالية ولا تكافح الفروق في الأجور بين النساء والرجال.


ولكن يرى الكاتب أن الدولة لا تزود النظام بقوته المحركة، ولكن النزعة للتراكم هي من تقوم بهذا الدور. فالدولة هى إحدى الآليات التي يستخدمها النظام في نزعته نحور التراكم، وهي جزء من البنية الفوقية للنظام. في وجهة نظر الكاتب، اضطهاد النساء مصدره هو تلك النزعة، فالدولة تساعد على ابقائها وللذلك تدعم العائلة.


ذهبت جوان بأطروحتها، إلى أن اضطهاد النساء شأنه شأن استغلال العمال، يُعد جزء أصيل من مكونات ودعائم النظام الرأسمالي والبطريركي وبالتالي "تدخل صراعات النساء المنفصلة في صراع تلقائي مع الدولة ورأس المال"، بالإضافة لذلك دعت جوان بإمكانية إقامة تنظيم نسائي مستقل بجريدته الخاصة، يكون أوسع من الحزب الثوري ليقوم بطرح قضايا اضطهاد المرأة واستغلالها، ويستطيع ذلك التنظيم توحيد كل النساء.

انتقد الكاتب بشدة نزعة جوان بتوحيد كل النساء في تنظيم واحد، دون النظر لمواقعهن الطبقية المتفاوتة ولمصالحهن المتضاربة طبقياً.


المراجع