وثيقة:عوضية محمود كوكو: من بائعة شاي إلى أم الثورة السودانية

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

Mada Masr Logo.png
مقالة رأي
تأليف أريان لافريلوكس
تحرير غير معيّن
المصدر مدى مصر
اللغة العربية
تاريخ النشر 2019-05-22
مسار الاسترجاع https://madamirror13.appspot.com/madamasr.com/ar/2019/05/22/feature/سياسة/عوضية-محمود-كوكو-من-بائعة-شاي-إلى-أم-ا/
تاريخ الاسترجاع 2019-05-22
نسخة أرشيفية https://archive.fo/JYhme
ترجمة نصر عبد الرحمن
لغة الأصل الإنجليزية
العنوان الأصلي Awadeya Mahmoud Koko: From tea seller to union leader to ‘mother of the revolution’
تاريخ نشر الأصل 2019-05-21



قد توجد وثائق أخرى مصدرها مدى مصر



توّجه عوضية محمود كوكو التعليمات إلى معاونيها بصوت يعلو فوق هتافات الاحتجاج التي تملأ الأجواء وسط الخرطوم. تجلس كوكو على كرسي بلاستيكي في شارع الجمهورية عند البوابة الرئيسية للاعتصام أمام مقر قيادة القوات المُسلحة السودانية، وهو مركز الانتفاضة التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس السوداني السابق عمر البشير، بعد 30 سنة من الحكم.

«أسرعوا.. ليس لدينا الكثير من الوقت المتبقي! كلا، لا تأخذوا هذه المقلاة، فنحن بحاجة إلى مقلاة عميقة ممتلئة بالزيت»، تأمر ثلاثة رجال، سرعان ما يتدافعون لالتقاط أواني الطبخ الضخمة، تزامنًا مع تدفق آلاف المتظاهرين من الخرطوم والبلدات المجاورة في اتجاه مقر الاعتصام. متطوعون من الشباب في سترات برتقالية يفتشون الداخلين. يقترب موعد آذان المغرب، ويعقبه إفطار الصائمين في رمضان. تشرف كوكو على إعداد حوالي 5000 وجبة إفطار، توّزع مجانًا على المشاركين في الاعتصام. هذه ساعة الذروة بالنسبة لكوكو.

وصلت كوكو إلى مقر الاعتصام منذ أكثر من شهر ولم تغادره منذ ذلك الحين. وأصبح الرصيف المظلل المجاور للبوابة الرئيسية للاعتصام مقرها، وفرشته بالحصير وبعض قماش القنب. «عندما وصلت في اليوم الأول من الاعتصام، لم أجد بشرًا، بل مجموعة من الأسود المصممة على القتال من أجل نيل حقوقها، وأدركتُ أنهم يحتاجون إلى مساعدتي»، تقول وهي ترتدي ثوبًا بلون الزمرد. «خلال الـ 11 يومًا الأولى، مكثتُ هنا ليلًا ونهارًا لإعداد الشاي والقهوة وتقديم الزلابية (فطيرة سكرية المذاق على شكل كرة)، فلم يكن لدى الثوار ما يشربونه أو يأكلونه. بعدها، سألوني إن كان بإمكاني طهي وجبات الطعام»، تقول كوكو.


أصبح إطعام المتظاهرين مهمة حاسمة للحفاظ على استمرار الاعتصام خلال شهر رمضان، مع ارتفاع درجات الحرارة وتعثر المفاوضات بين المجلس العسكري الانتقالي في السودان وزعماء الاحتجاجات بقيادة تحالف قوى الحرية والتغيير.

تدير كوكو الآن أكبر مطبخ في الشارع في الاعتصام الثوري في السودان. كما نجحت في إقناع زوجها المتردد وغير المهتم بالسياسة بالانضمام إلى الاحتجاج و«القيام بأي شيء للمساعدة، حتى لو كان مجرد الهتاف والتصفيق ضد النظام»، تقول كوكو.

على عكس زوجها، تتمتع كوكو بخبرة سابقة في النضال السياسي. وهي تقترب الآن من عيد ميلادها الـ 56، ولها باع طويل في العمل النقابي وفي بيع الشاي في الشوارع، كما قضت سنوات في تحدي السلطات في واحدة من أكثر دول العالم قمعًا.

ولدت كوكو لعائلة من جبال النوبة جنوبي كردفان أثناء الحرب الأهلية الأولى في السودان (1955- 1972)، وفرت إلى الخرطوم عندما كانت فتاة صغيرة. شاركت في أول مظاهرة لها عام 1985، عندما أدت انتفاضة جماهيرية إلى الإطاحة بالرئيس جعفر نميري آنذاك في انقلاب غير دموي. تزوجت بعد ذلك بوقت قصير وخرجت إلى الشوارع مرة أخرى؛ هذه المرة كبائعة شاي لدعم أسرتها الصغيرة، التي تضررت بشدة نتيجة تدهور الظروف الاقتصادية.

بعدد من المقاعد الخشبية والأكواب الزجاجية وإبريق شاي، بدأت كوكو ما تسميه «أبسط مهنة بأقل رأسمال»، إلا أن الشرطة لم تجعل مهمتها سهلة على الإطلاق. «داهموا الكشك وصادروا معداتي مرارًا. وحين أحاول استعادتها، يفرضون عليّ غرامة»، تقول كوكو. وأطلقت على مضايقات الشرطة المستمرة لفظ كاشا، باللهجة العامية السودانية. وتشير الكلمة إلى حملة حكومية موسعة لإبعاد المهاجرين القرويين عن العاصمة قسرًا، على أساس التنميط العنصري في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين.

مع استمرار تراجع الاقتصاد السوداني خلال أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، بدأت الآلاف من النساء في بيع الشاي والوجبات الخفيفة في شوارع الخرطوم وشاع تعبير (ستات الشاي) للإشارة إليهن. ومع ذلك، وبسبب المجتمع المحافظ في السودان، غالبًا ما كانت ستات الشاي يتعرضن للسخرية ولا يحصلن سوى على القليل من التعاطف عندما يتعرضن للإهانة والضرب على أيدي الشرطة علنًا.


تقول كوكو: «لم تدافع عنا أي من النقابات العمالية الحالية لأنها تهتم بالعمل مع الحكومة أكثر من التحدث إلى الناس العاديين، لذا قررت أن أفعل ذلك بنفسي». وفي عام 1990، أنشأت أول جمعية تعاونية لبائعات الطعام والشاي في الخرطوم. قدمت الجمعية المساعدة القانونية وواجهت سلطات الشرطة المحلية، بنجاح في كثير من الأحيان، للمساعدة في إعادة المعدات المُصادرة. «كان الضغط ينجح عندما يعرفون أنني قادمة إلى مكتبهم بصفتي رئيسًا للاتحاد النسائي».

بدأت الجمعية التعاونية في النمو، وتطلعت كوكو لتوسيع نطاق عملها، لكن خططها تقلصت عام 2007، نتيجة استثمار فاشل أغرقها في الديون ثم زج بها في السجن. بموجب المادة 243 سيئة السمعة في السودان، يجوز احتجاز المدينين لحين سداد الديون المستحقة عليهم. وقضت كوكو أربع سنوات خلف القضبان.

لم يوقف السجن نشاط كوكو، فقد أقامت متجرًا صغيرًا داخل السجن لمساعدة المحتجزات الأخريات. وعند إطلاق سراحها، أُجبرت على بيع منزلها، لكن هذا لم يعرقل خططها. في عام 2013، عُينت رئيسًا للاتحاد التعاوني المتعدد الأغراض للنساء في ولاية الخرطوم، وهي جمعية تدير ثلاثة مراكز مجتمعية في الخرطوم وأمدرمان وبحري. وهي مؤسسة شاملة ضمت 13 جمعية عند تأسيسها، وتضم الآن 20 جمعية و27 ألف عضو، وفقًا لكوكو.

تقدم المراكز المجتمعية مجموعة كبيرة من ورش العمل، من تعليم الزراعة إلى هندسة السيارات، بالإضافة إلى مطعم بإشراف نسائي. وتقول فايزة عبد الله (45 سنة)، وهي واحدة من أوائل أعضاء النقابة الذين ساعدوا في إنشاء المراكز المجتمعية: «أردنا أن تتعلم النساء مهارات غير تقديم الشاي. لدينا أبناء يدرسون الزراعة والهندسة الكهربائية، ويمكنهم مساعدتنا الآن. سوف يطورون البلد معنا، بعد أن أصابها الركود لمدة ثلاثة عقود تحت حكم البشير».

اعترفت وزارة الخارجية الأمريكية بإنجازات كوكو، حيث منحها وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري جائزة «المرأة الدولية للشجاعة» عام 2016. «تمنيتُ دائمًا أن أصبح مشهورة وأظهر على شاشات التلفزيون»، تقول وهي تتذكر الدعوات التي تلقتها من الولايات المتحدة وكينيا ولبنان على مدار العامين الماضيين.

وتحظى شخصية كوكو باحترام بالغ بين المحتجين. يقول نصر الدين تيراب: «إنها أمي»، في إشارة إلى لقب كوكو بين المعتصمين. يسافر تيراب لأكثر من ساعة للوصول إلى الاعتصام، لكي يتطوع في نوبة حراسة. ويضيف: «أنا معجب بها، لأنها تتحدى المرض حتى تأتي لمساعدة ثورتنا».


يعمل أبناء كوكو في مناجم تقع خارج الخرطوم، لكنها تقول إن الجميع في الاعتصام يطلقون عليها اسم «أمي، أم الثورة، أو في بعض الأحيان والدة كانداكات»، ويشير اللقب الأخير إلى لقب الملكات النوبيات اللائي حكمن مملكة كوش في السودان القديم.

حتى وقت قريب، لم تتمكن كوكو -وهي أم لأربعة أطفال- من شراء الدواء الخاص بها. ومع ذلك، تمكنت من خلال الاتحاد النسائي من جمع 14 ألف جنيه سوداني (310 دولار أمريكي) -أي عشرة أضعاف متوسط ​​الراتب الشهري للموظف المدني- للمساهمة في صندوق تديره جمعية المهنيين السودانيين لدعم الاعتصام.

وبصفتها عضوًا في جمعية المهنيين السودانيين (المنظمة التي تقود حركة الاحتجاجات)، تخطب كوكو في المعتصمين من المنصة الرئيسية في مقر الاعتصام، وتعتزم أن تشارك في الحكومة السودانية الجديدة. «أريد منصبًا في الحكومة المدنية الجديدة أو في البرلمان، حتى أصبح قريبة قدر الإمكان من عملية اتخاذ القرار، وأتأكد من حصول النساء على حقوقهن»، تقول كوكو.

وتشدد أن على رأس أولوياتها إلغاء المادة 243، تلك المادة القانونية التي زجت بها وبآلاف غيرها في السجن. كما ترغب كذلك في توفير أكشاك ذات مظلات لرفيقاتها السابقات من بائعات الشاي.


رغم أن المرأة السودانية كانت في طليعة الاحتجاجات الجماهيرية في السودان منذ اندلاعها في ديسمبر 2018، ورغم استهدافها على وجه التحديد من جانب قوات الأمن، إلا أن مشاركتها السياسية الكاملة في حقبة ما بعد البشير بالسودان ليست مضمونة. على الرغم من أن تجمع المهنيين لم يصدر قائمة بالأسماء المقترحة لشغل المناصب الحكومية، فإن مسؤولًا بارزًا في التجمع أخبر «مدى مصر» أن النساء يشكلن 40% فقط من الوظائف في مسودة قائمة أولية. «للأسف، يعكس هذا غياب الإرادة السياسية حتى الآن»، قال المسؤول.

ومع ذلك تقول كوكو «أنا متفائلة لأن كل السودان يشارك، على عكس ثورة 1985. ويجب أن يكون الرئيس الجديد عادلًا مع الرجال والنساء».

في الوقت الراهن، لم تصل المفاوضات بين قادة الاحتجاج والمجلس العسكري إلى اتفاق بشأن تكوين مجلس سيادي يحكم البلاد خلال الفترة الانتقالية. وفي الوقت نفسه، فإن الهجوم على الاعتصام من جانب قوات الأمن المسلحة في الأسبوع الماضي أثار القلق. لكن كوكو أظهرت إصرارًا على المواصلة، وتقول إن الكثير قد تحقق بالفعل، مُشيرة إلى اختفاء شرطة الكاشا من شوارع الخرطوم باعتبارها علامة حاسمة على النصر في الثورة السودانية الثالثة، والمستمرة حتى الآن.