وثيقة:من «لوسي» إلى «حاتم رشيد»: كيف تؤثر السينما المصرية على الخطاب الاجتماعي تجاه المثليين والمثليات؟

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

Mada Masr Logo.png
مقالة رأي
تأليف أدهم يوسف
تحرير غير معيّن
المصدر مدى مصر
اللغة العربية
تاريخ النشر 2017-10-28
مسار الاسترجاع https://madamasr.com/ar/2017/10/28/feature/ثقافة/من-لوسي-إلى-حاتم-رشيد-كيف-تؤثر-السي/
تاريخ الاسترجاع 2017-10-30

ترجمة محمد الحاج
لغة الأصل الإنجليزية
العنوان الأصلي Constructing and echoing social perceptions: Gay characters in Egyptian film
تاريخ نشر الأصل غير معيّن


قد توجد وثائق أخرى مصدرها مدى مصر



مقدمة

قبل حوالي شهر، أصدر رئيس المجلس «الأعلى لتنظيم الإعلام» مكرم محمد أحمد؛ قرارًا بحظر ظهور المثليين و الشعارات المثلية إعلاميًا، مُسوِّغًا قراره بأن «المثلية عار يجب أن يوارى لا أن يُحتفى به». يأتي هذا الحظر وسط اعتقالات وأحكام بالسجن، و كشوفات شرجية، واتهامات بعدم الاتزان النفسي، وحالة وصم عامة وتحريض على الأشخاص بناءً على ميولهم الجنسية المتخيّلة؛ في هجوم ضخم جاء ردًا على رفع أعلام «قوس قزح» في حفلة موسيقية في 22 سبتمبر الماضي بالقاهرة.

لكن على الجانب الآخر كانت السينما المصرية لتبدو مختلفة بالكلية؛ دون تمثيلات الرغبة المثلية. فقد تواترت الإشارات إلى المثلية الجنسية بانتظام في الأفلام المصرية منذ نهايات الخمسينيات. وتسبّب العديد من هذه التمثيلات في جدالات محتدمة، وإن لم يكن جميعها على ذات القدر من إثارة الجدل، وتم اعتبار بعضها كلاسيكيات كوميدية.

ماهو الشكل الذي خرجت عليه هذه التمثيلات؟ وإلى أي مدى أثّرت على تفاعل المجتمع مع الأشخاص ذوي الميول المثلية، وجدل الإعلام كذلك؟ هل حدث تغيّر عبر الزمن لكيفية تصوير هذه الشخصيات؟ وهل تؤثر تمثيلات المثليين في الأفلام علي نظرتنا، نحن الغيريين والمثليين المصريين، للمثليين؟

في محاولة للإجابة على هذه الأسئلة وجدت بالإمكان، تقسيم تمثيلات الشخصيات المثلية في الأفلام المصرية إلى خمس فئات.

الخمس فئات

الفئة الأولى: مادة كوميدية في مقابل السيطرة الذكورية

في كوميديا فطين عبد الوهاب ذات الشعبية الساحقة، «إشاعة حب» (إنتاج 1960)، تكمن أحد أهم عناصر كوميديا الفيلم في لوسي (جمال رمسيس) ابن خالة سميحة (سعاد حسني) والذي يُشكّل مادة خصبة لسخرية والدها (يوسف وهبي) باستمرار.

- «مين دي يا سميحة» يسأل وهبي ابنته. «واحدة صاحبتك؟»

- «دي؟! إيه دا يا بابا مش عارف لوسي؟ دا ولد»

- «بسم الله الرحمن الرحيم، لا يا بنتي قولي كلام غير دا»

يقود لوسي سيارة كاديلاك، ويرقص التويست ويصفِّف شعره على طريقة إلفيس بريسلي. يغني باليونانية والتركية، ويرتدي قميصًا ضيقًا قصير الأكمام وبنطلونًا قصيرًا نوعًا ما. بالتالي، يُمثّل لوسي بالنسبة لوالد سميحة نقيض كل ما هو «رجولي».

يكرّر المخرج نيازي مصطفى هذا المشهد في فيلمه الكوميدي الآخر، «البحث عن فضيحة» (إنتاج 1967)، فيصوِّر لقاء أب ذكوري بابن خالة ابنته الحسناء (ميرفت أمين). وبدلًا من لوسي المتأثر بإلفيس؛ عندنا ريكو محب البيتلز (ناجي آنجلو)، الذي يمتلك صوتًا رفيعًا وحادًا . يستثقل إجراء حوار تقليدي مع الذكور، ويرفض مشاهدة الملاكمة ويلعب الجيتار، ويختار تسريحة شعر تجعله شبيهًا بأعضاء الفريق الغنائي الأجنبي.

يظهر بطلا الفيلمين ذوي الميول الجنسية الغيرية (عمر الشريف في إشاعة حب، وعادل إمام في البحث عن فضيحة) كأشخاص جادين وعصاميين. بينما تصوّر شخصيتي لوسي وريكو كنقيضين للبطلين: مدللين وفوضويين و متأثرين بالغرب وأصحاب ثروة جاءت بالوراثة. وبالإضافة لدورهم الفكاهي فإنهم يشكلون عقبة أمام البطل، يجب عليه تخطّيها ليفوز بحبيبته الجميلة.

استطاعت هذه التركيبة الاستمرار وإعادة إنتاج نفسها. ففي فيلم «التجربة الدنماركية» لعلي إدريس ( 2003) تتمّ السخرية والتحرش ببهاء (خالد شبل) على يد عادل إمام لأنه ليس رجلًا بما يكفي ليسيطر على زوجته، ولكونه شخصية مناقضة لـ«الرجَال» الذين يقدمهم الفيلم كشخصيات قوية وجذابة.

يتمّ تقديم لوسي وريكو وبهاء كرجال غيريين، لكن بمزاج عام غير ذكوري، يرمي بوضوح للإيحاء بالعجز عن فرض السيطرة على النساء خاصة مع مقابلته باستعراض الآباء لفكرة الذكورة، ويصبح هذا الأمر مصدرًا للإفيهات. تمّ تطوير صفة العجز هذه، لتخلق في أفلام أخرى شخصياتٍ جديدة.

في فيلم حسام الدين مصطفى؛ «درب الهوى» (إنتاج 1983) والذي يناقش البغاء في مصر قبل 1952، لا يكتفي مساعد القوادة سكسكة (فاروق فلوكس)؛ بارتداء جَلاّبيّة ضيقة ومكياج فقط، وإنما يعبر أيضًا عن اهتمام جنسي بالرجال. تمّ قطع مشاهد من الفيلم ومنَعته وزارة الثقافة من العرض في السينمات «لنشره لصورة سلبية عن البلاد».

تاريخيًا؛ وبعدما تمّ حظر الغوازي بقرار من السلطان العثماني عام 1840، استبدلهن أصحاب الحانات بشبّان وسيمين يرتدون ملابس نسائية، وكان يطلق عليهم اسم «كوتسك» بالتركية، وقيل أن هذا الأمر حقق نجاحًا ساحقًا. اصطك المصريون مصطلح «خول»، تنويع على مصدر «خل»، والذي يعني الرفيق والصديق. يقدَّم لنا سكسكة كـ«خول» يراوح بين الشعور بالاغتراب والإصرار على عدم الاستسلام لصورة الذكورة التقليدية، وكنتيجة لهذا يحتقره المجتمع.

«إيه دا؟» يسأل البطل (أحمد زكي) حينما يرى سكسكة، ويتسرب لنا انطباع بأن مخرج الفيلم لديه نفس الشعور.

تظهر الشخصيات الشبيهة بسكسكة في أفلام أخرى، فهناك محمود الجندي في «شفيقة ومتولي» (1978) لعلي بدرخان أو فاروق فلوكس مرة أخرى في دور مساعِد عصري وأنيق للراقصة في فيلم «الراقصة والسياسي» (1990) لسمير سيف. باهتمامهم المنعدم بجذب النساء، وبصفاتهم المثلية المثيرة جنسيًا. توظَّف هذه الشخصيات لتقوية صورة البيئة الفاسدة التي يريد بعض المخرجين الإشارة إليها، والمحيطة بالراقصات والعاملات بالجنس التجاري.

بالطبع تنعكس تأثيرات هذه التمثيلات والتي تصف جنسانية الذكر المثلي كخنوثة؛ على مواقف ولغة صحفيي الحوادث وآخرين. على سبيل المثال، تورد جريدة «الأهرام» عام 2015 خبر القبض على رجلين يستخدمان أسماء نساء (سهى وبلبلة)، عارضين الجنس على الزبائن مقابل 2000 جنيه في الساعة. بينما نجد تقرير مصوّر على موقع «اليوم السابع» يتحدث عن القبض على ستة «مخنثين» بسبب تقديم «المتعة المَحرَمة».

الفئة الثانية: طفل المجتمع غير المرغوب فيه

الصورة الثانية للشخصيات المثلية في الأفلام المصرية هي صورة المتحرّش أو المغتصب، والذي عادة ما يقاومه البطل، ثم يتلقى عقابه. في فيلم سعيد حامد «رشة جريئة» (2001) يتحرّش مخرج مثلي بالممثل الصاعد (أشرف عبد الباقي) قبل أن يُقتل على يد ممثل منافس آخر. لا تقدّم شخصية المخرج (علي حسنين) كشرير، ولكن كأحد الصعوبات المتعددة التي يواجهها الممثل الشاب في رحلته.

تتفق هذه الأفلام مع أفلام المجموعة الأولى؛ وذلك في تصويرها للشخصية المثلية كشخصية بوهيمية تمارس الفن وتنتمي للطبقة العليا ولديها عادةً اتصال مع الغرب. في فيلم زكي فطين عبد الوهاب الأول «رومانتيكا» (1996) يوافق شاب مصري (أشرف عبد الباقي) تحت ضغط رغبته في أن يصبح نجمًا في هوليوود بالذهاب إلى الفراش مع فنان ألماني. جاء حضور الشخصية المثلية هنا ليرينا فقط عملية استغلال البطل. يُقتل هذا الفنان في النهاية أيضًا، في إشارة أن هذا المصير نتيجة لنمط حياة «شاذ».

النمط الأخير، هو أكثرهم خطرًا، حيث تكون جنسانية البطل هي صفته الرئيسية، بمعنى أن كل ما يفعله مدفوع أساسًا بميله الجنسي، كما يتم تقديمهم على أنهم أُناس معرضون لمَيْتات بشعة. هذه الأفلام تعرض الاتصال الجنسي بين فردين من نفس الجنس كفعل مُقحَم أو عديم المعنى في أفضل الأحوال.

في فيلم خالد يوسف «حين ميسرة» 2007؛ و فيلم هاني جرجس فوزي «بدون رقابة» 2009؛ تأتي العلاقات بين النساء كعلامة على التحلل الأخلاقي؛ تقوم امرأة بإغراء أخرى، وسط ديكور من زجاجات خضراء لبيرة ستيلا وسجائر الحشيش بنية اللون ورقص الديسكو. في البداية يجري خداع (سمية الخشاب) لاستدراجها للنوم مع امرأة أخرى (غادة عبد الرازق)، وحينما ترفض، تطردها الثانية من بيتها. في محاولته لتصوير عواقب عقود من الفساد ووحشية الحكومة، بتسليط الضوء على أطفال الشوارع، والأناس المجبرين على العمل في الدعارة، وعنف البوليس، وحالات الاغتصاب، يفشل «حين ميسرة» في تقديم معالجة للعلاقات المثلية وتأثير هذه السياسات عليهم.

وعلى الرغم من عدم احتوائه على عري أو أي فعل جنسي، باستثناء قبلة غير مكتملة، فإن المشهد الذي يصور ذهاب المرأتين للفراش قبل هرب شخصية سمية الخشاب أثار الجدل وتم تلقيه بشكل سلبي. بعد إطلاق الفيلم قام نائب من الحزب «الوطني الديمقراطي» الحاكم، وقتها، فضلًا عن نائب آخر من «الإخوان المسلمين» بمناقشة المشهد في البرلمان والإعلام، متهِمين خالد يوسف والممثلين «بالحض على الفجور». ورفع علماء محافظون دعاوى قضائية ضد الفيلم بدعوى ترويجه لـ«الثقافة الغربية غير الأخلاقية»، لكن لم تسفر هذه القضايا عن أحكام. في المقابل قاضَى خالد يوسف شبكة «راديو وتلفزيون العرب» عام 2010 لحذفهم لمشهد من الفيلم، مما أجبرهم على بث النسخة الكاملة فيما بعد.

أما فيلم«بدون رقابة»؛ الذي يستعرض حيوات مجموعة من الشباب المدللين الذين لا يفعلون شيء سوى المداومة على تعاطي المخدرات وممارسة الجنس بينما يحاولون النجاح في امتحانات الكلية، فتظهر بين هذه المجموعة، شخصية علا غانم كامرأة كبيرة ميسورة الحال و مزدوجة الميول الجنسية. تستغل الشابات الصغيرات وتستند علاقاتها معهن بشكل رئيسي على قوتها الاقتصادية. واجه الفيلم أيضًا دعوى قضائية رفعها نبيه الوحش، المحامي المعروف برفع الدعاوى القضائية ضد كل الأفلام التي تحتوي مشاهد تستبطن الجنس وبخاصة الراقصات والمغنيين، متهمًا إياه بـ«الترويج للسحاقية».

هذه السردية حاضرة بقوة أيضًا في الإعلام المصري عند مناقشته لقصص تخص أشخاص قد يكون من أصحاب الميول المثلية. فعادة يكون هناك نوعية من الحكايات التي تُروى حول هؤلاء الأشخاص، مثل تجسيد حيواتهم بأنهم من طلاب الجامعات الخاصة، الذين يعمل أولياء أمورهم في الخليج، فيما يرتعون في «حياة الفجور».

في مايو 2001 تمّ إلقاء القبض على 52 رجلًا في القضية «كوين بوت» المعروفة على خلفية اتهامهم بـ « اعتياد ممارسة الفجور». وبنظرة سريعة على التغطية الإعلامية للقضية؛ نجد مقاربتها تدور حول التحلل الأخلاقي، وفقدان السيطرة الأبوية والمجتمعية التي تؤدي إلى المثلية، وهي سردية تساعد في ترسيخ قبضة الدولة الأبوية. اتُهم المقبوض عليهم بكونهم «عبدة شيطان»، و«برجوازيين أفسدهم التدليل»، و«متغربين»، وبكونهم «من أتباع أبي نواس».

في ديسمبر 2014 نقل برنامج المذيعة منى العراقي «المستخبي» وقائع القبض على عشرات الرجال في حمام عمومي في وسط البلد بالقاهرة، وذلك دون الاكتراث بحقوقهم في المجهولية. العراقي، والتي وُصِمت بتعاونها مع البوليس خلال الحملة، برّرت فعلتها بأن الحمام كان أحد «مقاصد البغاء المثلي».

الفئة الثالثة: اللامنتمون نفسيًا والتعاطف المضلَّل معهم

تتمثل الفئة الثالثة من التمثيلات في الرؤية المحافِظة المليئة بالأحكام والتي تقطَع بأن الرغبة المثلية تنبع من تجربة صادمة. في فيلم «حمام الملاطيلي» لصلاح أبو سيف (إنتاج 1973) وفيلم مروان حامد «عمارة يعقوبيان» (إنتاج 2006) لا يُطرح موضوع المثلية الجنسية كأحد مخلّفات التأثر بالغرب ونمط الحياة البوهيمي فقط، وإنما كنتيجة لتاريخ عائلي بائس أيضًا. وعلى الرغم من الفارق الزمني الطويل بين الفيلمين، الذي يربو على ثلاثين عامًا، فإنهما يتبنيان نفس المقاربة، التي تدعي التعاطف مع الشخصية المثلية، بوصفها بحاجة للمساعدة.

في «عمارة يعقوبيان»، يعيش حاتم رشيد (خالد الصاوي)، الصحفي الأرستقراطي نصف الفرنسي، في أحد التُحف المعمارية بوسط القاهرة. يدخل رشيد في علاقة مع مجند أمن مركزي فقير ومتين البنيان (باسم سمرة). صدم الفيلم، المقتبس بدقة عن رواية علاء الأسواني التي تحمل ذات الاسم، الجمهور وأربكه، بسبب محاولته فضح آثار عقود من الفساد. كما تمّ تحديد جمهوره «للكبار فقط». تم انتقاد الفيلم في الإعلام، كما رفعت دعاوى قضائية ضد الأسواني تتهمه بـ«الترويج للشذوذ الجنسي».

في «حمام الملاطيلي» ينتقل شاب من الإسماعيلية إلى القاهرة لمتابعة دراسته ويذهب إلى حمام شعبي يزوره رجال مثليون حيث يلتقي بفنان يدعى رؤوف (يقوم بدوره يوسف شعبان)، الذي يدعوه للعيش معه. مُنَع الفيلم، قبل أن تتمّ الموافقة على عرضه في التسعينات، بعدما قُطعَت مشاهد طويلة منه غَلَب عليها ظهور رجال عرايا في الحمام.

في كلا الفيلمين، عانت الشخصية المثلية من طفولة مضطربة وعلاقة صعبة بأبويها، تمّ اعتبارها عَلّة «انعدام رجولتها». فرؤوف كان يتمّ إلباسه أزياء فتيات، أما حاتم فقد اعتدى عليه جنسيًا خادم الأسرة النوبي. تستخدم الشخصيتان الفلسفة لتبرير ميولهما الجنسية، لكن المجتمع يسخر منهما ويكرههما في كل الأحوال، وفي النهاية يلاقي، كل منهما، نهاية تعيسة.

في فيلم هاني فوزي «أسرار عائلية» (2014)، نتابع الحياة اليومية لبطل مثلي يبلُغ من العَمْر ثمانية عشر عامًا. ولم يرَ الفيلم النور، إلا بعد معارك بين صنّاع الفيلم وبين الرقابة. وعلى الرغم من أنه كان أحد الأفلام المنتظرة بين أعضاء مجتمع الميم ونشطاء حقوق المثليين، جاء مخيّبًا للآمال.

فعلى الرغم من أنه يقوم بجهد جيد في رصد التفاصيل الحياتية لمروان (محمد مهران)، بداية من ردود الفعل التي يتلقاها من عائلته على ميوله الجنسية، وخبرته مع الجنس عبر الإنترنت، مرورًا بجلسات علاجه النفسي ومواعداته الغرامية المجهّلة، وجميعها زوايا جديدة في التعاطي مع الشخصيات المثلية في الأفلام المصرية، إلا أن الفيلم يقع في ثلاثة فخاخ:

  • أولها التلميح بحاجة مروان للعلاج معتبرًا أن المشاهد في حاجة لتبرير ميل بطله الجنسي.
  • وثانيها تبنّيه القالب التقليدي للرجال المثليين، كالصوت الأنثوي والشعر الطويل وإزالة شعر الأذرع.
  • والفخ الثالث أنه يوهِم بأن السبب في الميل الجنسي لدى الرجال هو الأمهات العنيفات أو التربية في بيئات «غير رجولية» أو الاعتداء عليهم جنسيًا في الصغر.

وصلت الحجة القائلة بأن المثلية اضطراب نفسي؛ الرأي العام المصري في وقت متأخر حيثُ أخذت حيزًا منذ بداية الألفية الجديدة، وأثَّرت في تعاطي الطريقة التي صوَّر بها الإعلام المثليين كضحايا وأشرار في الآن ذاته. بدأت البرامج الحوارية بمذيعيها الموالين للدولة ومن يطلق عليهم صحفيين استقصائيين؛ في استخدام علم النفس لمناقشة القضية. ناقشت برامج مثل «صبايا الخير»و«انتباه» المثلية الجنسية كمرض، بل واستضافت أطباءً نفسيين لتحليل «المرضى» وتقديم النصيحة.

الفئة الرابعة: الجنسانية كأحد عناصر الإنسانية

ينتمي القطاع الأكبر من هذه الفئة من التمثيلات إلى أفلام يوسف شاهين، الذي أظهر الشخصيات المثلية كأُناس عاديين. في فيلمه الواقعي الاشتراكي الفريد والمنسي «الناس والنيل» 1972؛ يعرض شاهين علاقة بين رجلين، أخصّائي روسي وعامل مصري، بالموازاة مع التقدم الناجح في بناء السد العالي، في بناء متأثر بالسينما السوفييتية والمسرح المصري. تمّ تصوير الفيلم عام 1969، لكن لم يتمّ إطلاقه قبل 1972 بسبب تدخلات الحكومتين المصرية والسوفييتية.

في معالجة شاهين للاحتلال الفرنسي لمصر في فيلمه «وداعًا بونابارت» 1985، يُغرَم الجنرال والعالِم الفرنسي (ميشيل بيكولي) بفتيَيْن مصريين في أواخر مراهقتهما. كَرِه النقاد المصريون الفيلم وخاصة حقيقة أن الجنرال قام بتقبيل قدم أحد الفتيين. فيما بعد لمَّح شاهين للإيروتيكية المثلية عوضاً عن تصويرها مباشرة.

في الجزء الأول من ثلاثية سيرته الذاتية «إسكندرية، ليه؟» 1979؛ يقوم عم البطل ومثله الأعلى الوطني الراديكالي عادل بك (يقوم بدوره العبقري أحمد محرز) باختطاف وقتل الجنود الإنجليز في الإسكندرية أثناء الحرب العالمية الثانية. عادل الأرستقراطي والكاره لأغنياء الحرب الذين تزدهر أحوالهم عبر التعاون مع الإنجليز؛ يدفع أموالًا في سبيل خطف الجندي النيوزيلندي تومي ليقتله. يأخذ عادل الجندي إلى المنزل بدلًا من ذلك، ثم بعد قطَع، نشاهد لحظات استيقاظ تومي في سرير عادل مرتديًا ملابسه الداخلية.

يظهر في الفيلم احتياج الشخصيتين الواضح للعاطفة الجسدية. تنمو العلاقة بينهما، ويعود تومي إلى ميدان القتال للمشاركة في معركة العلمين، وما يبدأ كمحاولة اغتيال ينتهي كقصة حب تراجيدية.

في فيلم شاهين «إسكندرية كمان وكمان» 1989؛ يمثل شاهين دور مخرج يقع في حب ممثل يقوم بدوره عمرو عبد الجليل. تُعرَض العلاقة بشكل غير مباشر، كما تبدو هذه العاطفة المبتادلة بينهما أفلاطونية. وفي أحد المشاهد البارزة يرقص الثنائي بحميمية على نسخة نات كينج كول من أغنية Walking My Baby Back Home بعد فوزهم بجائزة في مهرجان «برلين السينمائي»، في تحية لثنائي فريد أستير وجينجر روجرز الهوليوودي الرومانسي.

يجعل شاهين الأمر واضحًا إذن: الحب غير المتحقق والعاطفة وأوجاع القلب موجودة في العلاقات المثلية كما العلاقات الغيرية. وعبر التركيز على الجانب الرومانسي يُظهِر شاهين أن هذه العلاقات قد لا تتمحور، على عكس ما تظهرها فئات التمثيل الأخرى، حول الجنس فقط. فصراعات شخصياته وتطورهم لا يتمحور فقط حول جنسانيتهم. بعضهم يستمر في حياته، بينما يقع البعض الآخر في الاكتئاب أو يموتون، كأي أشخاص عاديين.

تمثيل آخر مهم مقتبس عن مسرحية الكاتب الأمريكي تنيسي وليامز «قطة على صفيح ساخن» نجده في فيلم سمير سيف «قطة على نار» 1977. يلعب نور الشريف دور أمين لاعب الكرة، بينما تلعب بوسي دور زوجته جيجي، ويقوم الممثل اللبناني شوقي متى؛ بتأدية دور عيسى صديقه الذي يعاني من مشاكل إدمان الخمر، ويحمل مشاعر ناحية أمين.

يشير الفيلم بشكل خفي للرغبة بين الرجلين، ولكن لا يظهرها صراحة، فقط نلاحظها من خلال غيرة الزوجة الجنسية ونظرات الصديقين لبعضهما البعض. وبسبب غيرتها من عيسى الذي يقضي وقتًا أطول مع زوجها مما تقضيه هي معه؛ تضع جيجي خطة لفضح ميول عيسى الجنسية أمام أمين ما يؤدي لمأساة. يحتوي الفيلم على تعاطف واضح مع الشخصية محاججًا لصالح التسامح والتعايش.

في كوميديا يسري نصرالله السوداء «مرسيدس» 1993؛ نجد الفنان البوهيمي جمال (مجدي كامل) هاربًا من نمط حياته البرجوازي الجشع والمادي ليعيش حياة شوارعية متسكعة مع حبيبه البوهيمي الفقير (باسم سمرة) للتأكيد على عادية وإنسانية الشخصية المثلية.

أيضًا في فيلم داود عبد السيد «رسائل البحر» (إنتاج 2010) نجد امرأتين (سامية أسعد ودعاء حجازي) يقعان لحظيًا في غرام بعضهما البعض. تلعب أسعد دور إيطالية تعيش في الإسكندرية، تقع في غرام البطل الذكر (آسر ياسين) في البداية، لكن بينما تتغير نظرتها للجنس تجد في نفسها رغبة لأحد عميلاتها.

هؤلاء النسوة أيضًا لسن خارجات عن الطبيعي بأي حال، فلا ينحاز تمثيل عبد السيد لهن للقوالب المعدة سلفًا للسحاقيات كارهات الرجال اللواتي يرتدين ملابس رجالية كما في فيلم صلاح أبو سيف «الطريق المسدود» 1958؛ الذي تحاول فيه شخصية نسائية هامشية التحرش بالبطلة.

في فيلم «ديل السمكة» 2003 ؛ يلعب عمرو واكد في أول أفلامه المهمة شخصية أحمد، مُحصِّل كهرباء، يتعرض لإغواء من رجل مثلي عجوز ووحيد (رؤوف مصطفى). لاحقًا يحاول الرجل الاعتذار مبررًا جنسانيته:

«اخترت اسمك يا أحمد؟ اخترت أبوك وأمك؟ اخترت المكان اللي اتولدت فيه؟ اخترت أنك تبقى كشّاف نور؟»

«لأ»

«أنا كمان ما اخترتش إني أكون كدا. فهمت؟»

لا سبب هنا للمثلية، ولا خير أو شر في كون شخص ما مثليًا.

الفئة الخامسة: مقاربة اضطهاد المثليين في السياق السياسي

يقع في الفئة الخامسة والأخيرة فيلم واحد فقط. بعد مرور سبعة أعوام على اعتقالات «كوين بوت» صَنَع المخرج ماهر صبري الدراما المليئة بالتعاطف «طول عمري» 2008؛ راويًا قصة رامي، محاسب مثلي يحاول استكشاف مجتمع المثليين السري في القاهرة. «طول عمري» هو أول فيلم مصري يربط بين الفساد السياسي والرقابة الإلكترونية وعنف البوليس بالحملة الأمنية على المثليين وتحديداً حملة «كوين بوت».

الفيلم الذي أنتجته الجمعية المصرية للأفلام المهمشة -وهي منظمة تأسست عام 2005 «للهرب من قيود الرقابة»- لم يعرض أبدًا في مصر وإنما في مهرجانات سينمائية أجنبية. عند إطلاق الفيلم على الإنترنت أدان مفتي الجمهورية الأسبق نصر فريد واصل الفيلم علنًا واصفًا إياه أنه «مفتاحًا للفجور» ويجب «حرقه فورًا».

عنوان الفيلم المأخوذ من أغنية لمحمد عبد الوهاب يشير إلى الكيفية التي تخلَّى بها رامي عن حبيبته محاولاً الوقوع في الحب من جديد؛ بينما يُخفي جنسانيته، لكي لا يقع في مشاكل مع السلطات. تظهر الشخصية غير تقدمية بالضرورة، وتلوم مداني «كوين بوت» لكونهم منفتحين بشأن ميلهم الجنسي.

على الرغم من الجودة المنخفضة للإنتاج فإن الفيلم يسلّط الضوء على عدد من النقاط الهامة. بشكل خاص كيف أطلق البوليس سراح الأجانب المعتقلين في القضية، وكيف تمّ اغتصاب وإساءة معاملة المقبوض عليهم في الحجز، وكيف كانت تغطية الإعلام للحملة جزءًا من ماكينة الدعاية المدعومة من الدولة.

هل هناك أمل في التغيير؟

يتّسم الخطاب حول المثلية الجنسية في مصر باقتصاره على حقوق الإنسان، وتحليله للحملة الأمنية على المثليين من وجهة نظر سياسية فقط. لكن إذا أردنا فَهم لماذا يغيب الاحتجاج على مسألة كاغتصاب المثليين في الحجز، أو لماذا تظن العائلات أن للمثلية سبب وعلاج، ولماذا يفلت الصحفيون الذين أطلقوا على حاملي علم قوس قزح «أبناء المطلقات» و«العملاء الغربيون» و «المختلون عقليًا» من العقاب؛ فعلينا النظر للتمثيل الثقافي للمثلية الجنسية، ليس فقط في الأفلام، وإنما في المسلسلات والصور الكوميدية على الإنترنت (ما يُعرف بالميمز) أيضًا.

بالتوازي مع تسجيلها لحالات المعاملة غير القانونية للمتهمين في «قضايا الفجور»، تشير منظمات حقوق الإنسان المصرية إلى الحملات الإعلامية التي تحرض على التمييز ضد الناس بناءً على جنسانيتهم المتخيلة.

يوضّح هذا التحقيق، والذي لا يشتمل بالطبع على كل الأفلام التي تعرضت للمثلية، بطءً في التقدم حينما يتعلق الأمر بتمثيل الشخصيات المثلية. فقد تمت إعادة إنتاج قوالب المدللين والمتشهبين بالنساء التي بدأت في الستينيات في الألفية الجديدة بينما بقيت فكرة السبعينيات حول اللامنتمين نفسيًا كما هي.

على الناحية الأخرى، وباستثناء «طول عمري»، فلم تتمّ معالجة الحملة الأمنية على المثليين سينمائيًا. مما يؤكد على ضآلة فرص التمثيلات التقديمة للقضية، وتأثيرها الأضعف على الرأي العام.

كما يترك حيزًا أكبر للتمثيلات السلبية في الدراما والكوميديات ذات الشعبية العالية، التي تتسرب للوعي العام. على سبيل المثال استخدم موقع أنباء محلي، العام الماضي، مشهد من فيلم «عمارة يعقوبيان» لتكون مصاحبة لمقال مكتوب عن جريمة أُشيع أن رجلًا مثليًا تورَّط فيها.

أما الاحتمال الأخطر الآن؛ أن الحملة الإعلامية التي تصاعدت ضد المثليين، منذ أواخر سبتمبر الماضي، ستؤدي لفرض المزيد من القيود على أي خطابات متعاطفة مع الحريات الجنسية في الأعمال السينمائية المستقبلية.