بنيان الفحولة

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
بنيان الفحولة
بنيان الفحولة.png
النوع فكري
السنة 2005
الناشر دار بترا
الدولة سوريا
تأليف رجاء بن سلامة

اللغة العربية
عدد الصفحات 175
موضوعات رجولة و ذكورة و نسوية إسلامية

,,

بنيان الفحولة كتاب ألفته رجاء بن سلامة حول ثنائية المذكر والمؤنث في الثقافة العربية وعملية البناء الثقافي لهذه الثنائية وإعادة بنائها في العصر الحديث. كما تتحدث عن مفاهيم مثل العنف الرمزي والهيمنة الذكورية والمركزية القضيبية وتسلط من خلالها الضوء على قضايا التمييز والعنف والحجاب.

ملخص ونقد الكتاب

الفصل الأول: المذكر والمؤنث والجنس الثالث

يتناول الفصل الأول من الكتاب، نظرة عامة على النظام الجنسي في النصوص الدينية (تحديدًا الإسلامية) والتراثية، وتبحث الكاتبة في ثغرات بهذه النصوص. ثم تتجه الكاتبة إلى النظام الجنسي في العصر الإسلامي الحديث، وتقارن بين منهجي فقهاء هذين المرحلتين.

النظام الجنسي التراثي:

الجنس الثالث

تبدأ الكاتبة بعرض ثغرات النظام الجنسي في القرآن، فتشير أن بعض آياته تنص صراحة على وجود ثنائية صريحة للجنس، وأن الله خلق الإنسان "ذكر وأنثى" ققط. ولكن، تضيف الكاتبة أنه بالرغم من ذلك ففي آيات أخرى يشير القرآن إلى صنفين آخرين من الإنسان ينفي هذه الثنائية الصريحة:

  1. النوع الأول: هم الخصيان، الذين أختاروا إخلاء أجسادهم من الجنس، وكانوا يعملون في حراسة النساء ورأى بعض المفسرين إشارة لهم في الآية التي سمحت للنساء إبداء زينتهن إلى "التابعين غير أولي الإربة من الرجال".
  2. النوع الثاني: هم غلمان الجنة، وهم كائنات بين-بين، ليسوا برجال أو نساء.

وعرضت الكاتبة جهود الفقهاء فيما مضى "لإيجاد وضعية قانونية" لمن سموه "الخنثي المشكل" (الذي لا يتحول إلى رجل أو امرأة بعد البلوغ)، وقرروا أن هذا الكائن لا يتزوج ويرث نصيب الأنثى.

المثلية الجنسية

وتناولت بعدها ذكر القرآن للمثلية الجنسية، وأشارت إلى أن القرآن سمى المثلية الجنسية بين الرجال " باللواط"، وذم في هذا الاتجاه الجنسي وذكر ما أنزل الله على أصحابه من عقاب، لكن لم يحدد لهم عقاب بعينه، إلا أن الخلفاء الأوائل وصلوا إلى أن عقاب الرجال ذوي الميول الجنسية المثلية هو القتل بأبشع صوره. وفيما بعد مال الفقهاء تدريجيًا إلى اعتبار عقوبة المثلية عقوبة مخففة يقررها القاضي، وذهب ابن حزم إلى تخفيض العقوبة إلى 10 جلدات. وذهب فقهاء آخرون إلى أن المثلية الجنسية شأنها شأن الزنا في إثبات الحجة: فلابد من أربعة شهود يشهدون أنهم رأوا المواقعة، مما يجعل تطبيق الحد مستحيلًا. أما المثلية الجنسية بين النساء، فلم يشر إليها القرآن في أي موضع، ولكن المفسرين توصلوا إلى أن عقاب المرأة المثلية هو "سجنها في البيت إلى الممات". وبالرغم من ذلك أشارت الكاتبة إلى إحتفاء الثقافة العربية بالمثلية الجنسية في النصف الثاني من القرن الثامن إلى القرن السادس عشر، فانتشر فن الغزل في المذكر، وبرز شعراء مثل أبي نواس وكتب عديدة، مثل كتاب "طوق الحمامة" لابن حزم و"روض العاطر" للنفزاوي.

النظام الجنسي لدى العرب المحدثين

تشير الكاتبة إلى أن النظام الجنسي اختلف بشكل كبير منذ القرن ال18 بسبب "موجات الصحوة الإسلامية" وظهور الحركة الوهابية في الجزيرة العربية. فازداد "قداسية" الثناية القطبية الجنسية، ورفض كلي لأي نمط جنسي آخر. كما أن الشريعة الإسلامية حضرت ولكن بدون آراء الفقهاء الأوئل، فبينما عمد الفقهاء الأوائل إلى إيجاد وضع قانوني للأنماط الجنسية غير الثنائية، مثل الأشخاص الإنترسكس و العابرات والعابرون جنسيًا، ذهب الفقهاء المحدثين إلى ما اسمته الكاتبة "الخلط والهوس"، بسبب أحكامه الاعتباطية.

أما المثلية الجنسية فبينما كان الفقهاء الأوائل ينزلونها في الطبيعة ويتحدثون عن المثلية في عالم الحيوان، اعتبر المحدثون المثلية "تناقضًا للطبيعة الإنسانية" وينزهون الحيوانات عنها، بل ويدعون أن هؤلاء الأشخاص هم عبدة شياطين وممثليين عن المعتدي الغربي أو الإسرائيلي. وأصبحوا يسموا " بالشواذ". وتجرّم المثلية بشكل صريح في العديد من البلدان العربية، مثل السعودية واليمن والسودان، والتي تعاقبهم بالإعدام. وفي ليبيا بالسجن لمدة 6 سنوات، و3 سنوات في المغرب. أما في البلدان التي لا تنص تشريعاتها صراحة على إدانة المثلية، فيتحايل المسؤولون على القانون، مثلما يتم إتهام المثليين جنسيًا في مصر بتهمة "ممارسة الفجور".

الفصل الثاني: "كتابة الأندروجين"... تجذير الاختلاف

تُناقش رجاء في هذا الفصل عملية الكتابة، وتتحدى مفهوم "الكتابة النسائية" في مقابل "الكتابة الذكورية"، والجدير بالذكر أنها تستخدم مصطلح الذكورية لوصف "الرجولية" وليس الذكورية كمفهوم أبوي سلطوي.

وتطرح في مقدمة المقالة أسئلتها حول وجود "كتابة نسائية" بالأساس، وحول فكرة التمييز بين ما هو نسائي وما رجالي، وهل أن النص المكتوب يُعبر عن صاحبه أم أنه كائن منفصل أو "طفرة" كما تسميه. وهي في طرحها لهذه الأسئلة لا تنفي تهميش النساء وإقصائهن من مجال الكتابة لوجود رقابة مجتمعية وأبوية على ما يكتبنه النساء وما يعبرن عنه. كما تدعو القراء إلى التمييز بين الكتابة السياسية والكتابة الإبداعية الخيالية.

كذلك تدعونا الكاتبة للتفريق بين نظامين؛ "نظام ترتيب الفوارق" و"نظام اختلال الفوارق". وتصف نظام ترتيب الفوارق بأنه نظام اجتماعي سلطوي يرتب الفوارق بين الرجل والمرأة ويقيم الرجل الكاتب بشكل مختلف عن المرأة الكاتبة، ويتفرّع من هذا النظام أيضًا بحسبها نظام ذو طبيعة فكرية سلطوية يفرّق ما بين ما هو أنثوي ورجولي. أما نظام اختلال الفوارق فهو المتعلق بالخيال والإبداع وباهتزاز الفوارق بين الشخص وراء النص بحسب نوع النص نفسه.

وفي نظام ترتيب الفوارق تضرب رجاء مثالاً في التراث الشعري وكيف أنه كان إما يُنكر على المرأة كونها شاعرة، أو تُعد المرأة الشاعرة ذات "فحولة" عالية" أو تُعد بكّاءة مثلاً أو تُعد فضائحية وخارجة عن القوم إن كتبت في الغزل. تلفت الكاتبة إلى امتداد هذا النوع من التمييز في الحياة المعاصرة، حيث يُشكك بكتابة المرأة وحقيقة النص المكتوب، وأحيانًا تتهم المرأة بأنها ليست صاحبة النص الأصلي. أما في النظام المتفرع عن نظام ترتيب الفوارق، فهو أكثر خفاء وعمقًا برأي الكاتبة، وهو النظام الذي يفرّق بين ما هو أنثوي وما هو رجولي أو "ذكوري" كما تقول، أي يفرق بين السمات الأنثوية والسمات الرجولية، وهو النظام النقدي المتمثل في "البيان"، ويلقي بظلاله على مواضيع النصوص أو الأشعار وطريقة صياغتها وأساليب طرحها. ويركز "البيان" القديم على "رد المختلف إلى المؤتلف، والمجهول إلى المعلوم، وردّ السلبي إلى الإيجابي"، ومنها تكريس قيم الوضوح والإبانة والاعتدال، وتفضيل الاستعارة القريبة الواضحة على البعيدة، ورد الصورة إلى المعنى" (صفحة 46). وهنا تناقش الكاتبة كيف أن "البيان" هو منظومة قضيبية عقلية، تفصل بين ما هو رجولي أو فحولي وبين ما هو أنثوي، وكما تعلو سلطة القضيب في المجتمع، يعلي البيان السائد والمعروف على الأقلي المختلف، كما يظهر ذلك جليًا برأيها في نظام الشعر العمودي وفي مفاهيم الفحولة وصورها التي تبرز في الأدب العربي القديم.

ووفقًا لنظام النقد المتمثل في البيان، ونظرًا إلى أساليب الكتابة وتذوقها في تراث الأدب العربي، فإن الأسلوب الأنثوي شاعري رومانسي؛ يصف المشاعر والأشواق ولا يخجل من الحديث عن النقص والافتقار من جهة، ويزين ويطيل ويفصّل من ناحية أخرى فيصبح إفراطًا في الزينة كما النساء، كما أن الزيادة مخيفة كما التعبير عن النقص لأنها "تهدد باضمحلال الأساسي والحقيقي" (صفحة 48). وتقول رجاء بأن سمات الأنثوي تمحورت حول ثنائية اللفظ (التابع والأقل أهمية) والمعنى (الأكثر أهمية)، والمحسوس والمعقول، والجسد والروح. كما تجر هذه الثنائيات لتطبقها على الثنائية القديمة المتعلقة بالذكر الفاعل والمرأة الوعاء السلبي المفعول به، بالإضافة إلى ثنائية المادة والصورة. وعليه، اعتبر الرجال الذين استخدموا السمات الأنثوية في كتابتهم أقل فحولة من غيرهم من الرجال. وتقدم الكاتبة مجموعة من الثنائيات التي تدل على الأنثوي في مقابل الذكوري ومنها:

الأنثوي الذكوري
المحسوس المعقول
اللفظ المعنى
الحذو المثال
الجسم الروح
الوعاء المبدأ الفاعل
الهيولى (المادة الأساسية في الفلسفة اليونانية) الصورة
الزينة، الزيادة، اللباس المعنى
الافتقار الامتلاء

تُشير الكاتبة إلى أن هذه القيم والثنائيات التي تدلل على وجود المركزية القضيبية ما زالت فاعلة، وموجودة أيضًا في الدراسات التي تدافع عما تكتبه النساء وتفترض وجود كتابة نسائية متفردة. تقول الكاتبة "إنها دراسات تُدافع عن المرأة فيفلت منها الأنثوي، وتندد بسلطة الرجل فتفلت منها سلطة القيم القضيبية الخفية، وتُحافظ على الثنائيات التي يقيمها النظام البياني، فتفلت منها الكتابة" (صفحة 51). وتوضح أكثر لاحقًا كيف أن هذه الدراسات تحرص على تحليل أسلوب المرأة بكونها أنثى، وكيف يكون موقعها ككاتبة، وما هي خصائص هذا النوع من الكتابة كوجود الكاتبة في دور المرسل، ورغبتها في رفض الدونية وإثبات الهوية، وأن الرجل في قصصها نادرًا ما يكون مساعدًا وعادةً ما يكون معارضًا وسلطويًا.

وتطرح الكاتبة بعض الأسئلة المهمة برأيها تتحدّى هذا الطرح السيميائي للكتابة والذات الكاتبة أيًا كان نوعها؛ فتشير إلى أن الذات التي تكتب أكثر تعقيدًا من الشخصيات المسطحة المباشرة العاقلة، وتتساءل إن كانت هناك علاقات مختلفة عن ثنائية الرجل المعارض موضع الشوق والرجل المساعد الصديق، وأخيرًا تسأل إن كانت الكتابة إثباتًا للهوية أم بحثًا عنها وتجريبًا لمحنة الافتقار لها، "فالذات الكاتبة ليست ممتلئة، عارفة بنفسها، ممتلكة لزمام أمرها، وإلا فلماذا تكتب؟" (صفحة 53). ثم تسير إلى طرح أن الاختلاف أهم من المختلفين، وأنه من المطلوب التخلي عن هذه الثنائيات والنظر إلى جوهر الموضوع وهو الإنتاج الأدبي والكتابي. كما أن الشعر والكتابة يأتيان من النقص والافتقار، وقد كان أهم شعراء العرب يلجأوون للخلوة والترحال والصحراء والليل، بكل ما فيهم من حساسية وهشاشة أحيانًا، لاستلهام أفكارهم إذا ما انسد باب الشعر.

وبنهاية المقال، تصل الكاتبة إلى فكرة الأندروجين التي يحملها عنوان الفصل، فتتحدث عن أن الكتابة تأتي من خواء ومن انشطار أيضًا، وأنه إذا كان هناك أصل للإنسان فهو ليس ذكرًا أو أنثى بس انشطار الإنسان إلى ذكر وأنثى، ما يشبه الصورة الأسطورية المتمثلة في الأندروجين والتي وردت في خطاب أريستوفان في المأدبة، وتتحدث عن كائنات الأندروجين مزدوجة الجنس والتي شطرها الإله زوس عقابًا لها لتطاولها على الآلهة، ولقوتها الكبيرة وقدرتها على الحركة. وبعد هذا الانشطار أصبح كل قسم يبحث عن قسمه الآخر ليتحد به. وهنا تطبق الكاتبة نفس البحث في الكتابة ولو يمكن أن لا نشطر الذات إلى الكاتب وما يكتبه خارجه، بل أن يكون في الداخل، أي هناك قسمين داخل الذات، أو انقسام متواصل، وعدد لا يحصى من القسماء.

وتختم الكاتبة: "ما تعتل به الكتابة، هو ما تعتل به الحرية: أي الامتلاء والاكتمال، ونبذ الشوق والافتقار، وتشيؤ المطلوب وغلقه عمّا يأت بعد، فالامتلاء تخمة وانسداد كما في صور الشعراء الجارين وراء الشعر. لا بد للمتلئ من حركة شوقية تدفعه إلى دق باب الممكن لينفتح باب الغيري واللامتوقع: باب الكتابة والحرية" (صفحة 56).

الفصل الثالث: حجاب المرأة قديمًا وحديثًا: محاولة تفكيك وتحويل الأسئلة

تتناول الكاتبة في هذا الفصل موضوع حجاب المرأة في الإسلام وذلك من خلال البحث في ثلاثة محاور هي:

  1. البحث في الكلمات الواردة في القرآن والتي تعني حجاب المرأة. وتبين أن حجاب المرأة ليس واحدًا بل متعدد وأن النساء المعنيات بالحجاب متنوعات أيضًا.
  2. تأثير الحجاب على العلاقات الاجتماعية.
  3. علاقة الحجاب بالمواطنة وقيم المساواة والكرامة والحرية.

تُقسم الكاتبة الحجاب الى نوعين:

1) حجاب فضائي لا مرئي (يتعلق بالمجال أو المكان) وهو يلعب دور وظيفي لتكريس الفصل بين النساء والرجال من خلال الفصل بين الفضاء الخاص الذي تلزمة المرأة والفضاء العام الذي يتحرك فيه الرجل. وأن بداية الحجاب الفضائي كانت بنزول "آية الحجاب" المتعلقة بخروج أو عدم خروج النساء من بيوتهن ودخول أو عدم دخول الرجال من غير المحارم على النساء. وتبين رجاء أن سبب نزول هذه الآية هو غيرة الرسول على زوجاته عندما يتمكن الرجال من التعرف عليهن عند مرورهن، أو بسبب حاجة الرسول لزوجاته في أوقات استضاف بها بعض الأصحاب فيمنعه الحياء من أمرهم بالخروج من منزله. وكذلك نزلت آية القرار في البيوت والتي تشير أيضًا الى الحجاب الفضائي.

كما تتطرق الكاتبة الى بعض الدراسات التي تناولت موضوع الحجاب الفضائي مثل دراسة الباحثة المغربية فاطمة المرنيسي وتقول رجاء أن هذه الدراسات ركزّت على تبرير الحجاب الفضائي بآداب الضيافة والاستئذان وتوضيح رغبة النبي في حماية حياته الخاصة، ولم تتطرق الى أن ضرب الحجاب هو تكريس للبُنى الأبوية.

وتُبين الكاتبة أن فرض الحجاب ليس استحداثًا من الإسلام كما يعتقد الكثيرون/ات، ومنهم المدافعون/ات عن الحجاب، بل هو أقدم من الإسلام وتبناه الإسلام والديانات التوحيدية بغرض الحفاظ على النظام الأبوي والأسرة الأبوية القائمة على الزواج والحفاظ على تقسيم الأدوار الاجتماعية بين الجنسين.

وتستدل على أن ضرب الحجاب كان موجودًا قبل الإسلام من طقس "التشويف" أو "التعريض"، طقس يتعلق بالبنات اللاتي أدركن سن البلوغ حيث يتم عرضهن على أهل الحي قبل حجبهن ليرغب فيهن من رغب، وقد تواصلت هذه العادة حتى بعد الإسلام.

وتتطرق الكاتبة الى قضية غيرة الرسول وعلاقاته بالنساء، والتي تناولها الكاتب فهمي منصور في كتابه "أحوال المرأة في الاسلام" المنشور في سنة 1997. وفيه يتحدث منصور عن دور غيرة النبي في تشريع الرسول للآخرين واستثناء نفسه من التشريع. مثلا حرم الرسول زوجاته على الرجال من بعده في نفس آية الحجاب. وتذكر الكاتبة تناول المحلل النفساني "فتحي بن سلامة" لتغير نوعية علاقات الرسول بالنساء بعد وفاة زوجته خديجة بنت خويلد وتغير الاقتصاد الليبيدي للنبي وانتقاله من "موقع تماه أنثوي ينبني على استقبال الآخر إلى موقف قضيبي متماش مع المؤسسة السياسية لمدينة الله".

2) الحجاب الجسدي المرئي أو الثوبي وهو جزء من الثياب يؤدي وظيفة الإخفاء أيضًا ويُعد أحد آليات مراقبة حركة خروج النساء. وتبين الكاتبة أن الخمار والجلباب ليسا مترادفين أو متبادلي الوظائف كما يعتقد البعض وأنهما معًا يمثلان حجابًا مضاعفًا للنساء. فالخمار هو غطاء الرأس عامة ولم يكن خاصًا بالنساء، بل كان الرجال يغطون رؤوسهم أيضًا. وعليه توضح الكاتبة أن آية الخمار لم تأتِ لتفرضه لأنه كان موجودًا، بل جاءت لتعدّل طريقة استعماله فأصبح يسبل على النحر والصدر إضافة إلى تغطية الشعر. أما الجلباب فهو حجاب فوق حجاب، ثوب نسائي خارجي أوسع من الخمار تغطي به المرأة رأسها وصدرها والأرجح أنه كان يلبس فوق الخمار.

وتذكر الكاتبة أن الحجاب الثوبي الجسدي قديم في الجزيرة العربية بدليل ما جاء في "الميشنا" وهي شروح للتوراة تعود إلى القرن الثاني الميلادي ترخص لليهوديات إرتداء الحجاب على نحو العربيات الوثنيات. وأيضًا هناك نص للواعظ المسيحي "ترتوليان" يُخاطب فيه النصرانيات بقوله: "ستستخر منكن العربيات الوثنيات، اللاتي لا يغطين رؤسهن فحسب بل كامل وجوههن، حتى أنهن يكتفين بالاستماع من نصف النور بعين واحدة يخرجنها بدل عرض الوجه بأكمله، فالمرأة تفضل أن تكون ناظرة على أن تكون منظورة".

وهنا تتساءل الكاتبة حول تغطية الرجال لرؤوسهم، والتي تدرجت من الخمار الى الطرابيش الى الكشف الكامل عن الرأس وتذكر أن الرجال في تونس الأربعينات والخمسينات كانت تضع الرجل الذي يكشف رأسه محل الاستفهام والريبة ولكن لم تواجه تعرية الرجال لرؤوسهم بنفس درجة العنف والرفض التي تواجه سفور النساء. وتذكُر أنه من المهم التأريخ لسفور النساء وتعرية الرجال لرؤوسهم في ذات الوقت وكذلك دراسة عودة الكثير من النساء للخمار وعودة الرجال المتدينين للطربوش.

وتقول رجاء أن الحجاب الفضائي والحجاب الجسدي يضع المرأة في وعاء حافظ مضاعف هو وعاء البيت ووعاء الجلباب والخمار. لتعود وتُوضح أن الحجاب الثوبي كان وسيلة من وسائل التمييز بين النساء الحرائر والإماء أو النساء اللاتي يتعاطين البغاء وعلامة للانتماء الطبقي. وتذكر موقف ضرب فيه عمر بن الخطاب جارية بالدرة لأنها تشبهت بالحرائر ولبست جلبابًا وخمارًا. وتقول الكاتبة أن السبب وراء تصرف عمر بن الخطاب هو أن النظام الأبوي يُدخِل الحرائر في إطار المبادلات الزوجية الرمزية البضائعية ويُدخل الاماء في إطار المبادلات البضائعية الصرف. فالحرائر يملكهن الرجال بدفع مهورهن وبالعصمة والجواري يشترين ويمتلكن ويدفع ثمنهن فالمرأة مملوكة لزوجها وتحجب لأنها تنجب النسل وتحيط الرجل بهالة العرض والشرف والأمة مملوكة لسيدها لأنها مال وبضاعة حية تُباع وتشترى ولا تستوجب رقابة ولا منعًا مشددين. وتذكر أن هناك اختلاف بين عورة الحُرّة والأَمَة وبين المدة اللازمة لاستبراء الأَمَة للتأكد من حملها أو عدم حملها وهو شهر واحد بينما للمرأة الحُرّة هي 3 شهور.

وتُضيف الكاتبة أن التمييز بالحجاب الجسدي يصل الى التمييز بين النساء القادرات على الإنجاب والنساء اللاتي تجازون مرحلة الإنجاب أو القواعد من النساء، وأن القرآن يرى التقدم في السن عامل نقص في أنوثة المرأة يترتب عليه إقصاء النساء اللاتي انقطع عنهن الطمث من المتعة والعلاقات الجنسية.

وتتطرق الكاتبة في هذا الفصل أيضًا الى موقفين من الحجاب، الأول موقف إنكار الواقع التاريخي للحجاب ويتبناه المدافعون عن الحجاب باعتباره واجب ديني جاء مع الإسلام ولا علاقة له بالعصور الوثنية أو عصور ما قبل الإسلام وينكر هؤلاء المدافعون أيضًا أن الحجاب كان له وظيفة التمييز الطبقي في عهد الإسلام. أما الموقف الثاني فهو موقف إنكار النص القرآني ويتبناه المصلحين المدافعين عن وجه تقدمي للإسلام فينفون الدعوة الى حجب المرأة في القرآن. وترى رجاء أن أصحاب الموقف الأخير لا يؤسسون لعلاقة جديدة بالدين بل أنهم يزيدون من الأوهام وتبين أن الأفضل هو عدم اخفاء الحقيقة عن الناس وأن بعض المعايير الإسلامية وغير الإسلامية القديمة أصبحت اليوم إشكالية وتتعارض مع طموح الأفراد والجماعات إلى المزيد من المساواة والكرامة والحرية.

فهي ترى أن الحجاب الفضائي والجسدي مقوم أساسي من مقومات الوضعية الدونية للمرأة، والزام لها بالبقاء في الفضاء الخاص وإعطاء الملكية على جسدها لمالكها لتكون فقط وسيلة للحفاظ على النسل والأسرة وعرض الزوج والعشيرة.

ثم تتناول مصير كل من الحجاب الفضائي والحجاب الجسدي، فتبين أن الحجاب الفضائي قاومته النساء بشكل جماعي سياسي وانضم إليهن الرجال من خلال التحاق النساء بمجال العمل وممارسة بعضهن الأنشطة التي كانت حصرًا على الرجال. وتتناول أمثلة للنساء اللاتي قاومن الحجاب الجسدي مثل قرة العين وهدى شعراوي ومنوبية الورتاني وثريا الحافظ.

وفي نهاية الفصل تطرح الكاتبة عددًا من التساؤلات حول العلاقة بين الحجاب والمواطنة، وكيف يمكن أن يكون هناك مشاركة كاملة وحقيقية للنساء والرجال مع رفض المصافحة والخلوة والاختلاط. والعلاقة بين الحجاب والكرامة بالنظر إلى الحجاب على أنه دليل على غياب أي قدرات لدى الإنسان على التحكم بنفسه واختزاله إلى البيولوجيا والجنس فقط. وتبحث في العلاقة بين المساواة والحرية، وتتساءل كيف يمكن الحديث عن حرية المرأة في اختيار حجابها دون تحقيق المساواة؟ وكيف نُطالب بحرية المقيد في اختيار قيده أو ندافع عن حق المرأة في شطب نفسها اذا ما اعتبر الحجاب شطبًا للجسد لا لباسًا له؟ وأن الأمر يتطلب فتح منابر للحوار بين أنصار الحجاب ورافضيه وبين أنصار الخصوصية الثقافية وأنصار كونية حقوق الإنسان.

وعن علاقة النصوص القرآنية بحقوق الإنسان، تقول الكاتبة أنه ربما قد حان الوقت لأن تكون علاقة البشر بالنص القرآني أنه نص تعبدي يمكن استلهام بعض مبادئه الكبرى لتطوير منظومة حقوق الإنسان وليس كمصدر لتشريع المعاملات بين البشر. أي حان وقت تبني برامج سياسية مدنية تفصل الدين عن الدولة.

الفصل الرابع: التمييز وعنف التمييز ضد المرأة في العالم العربي

الفصل الخامس: ثقافة العنف ضد النساء

الفصل السادس: الفحل السياسي

عنوان المقالة هو "الفحل السياسي: أهلية المرأة للمشاركة السياسية في الخطابات الدينية المعاصرة" وقد نُشرت من قبل ضمن منشورات "تجمع الباحثات اللبنانيات" في 2004.

تبدأ المقالة باستعراض تاريخ قصير لمعركة المشاركة السياسية للمرأة العربية في مصر (1925) والكويت (من 1972-1999) للوضع العربي عامة، حيث تصل إلى أن نسبة تمثيل النساء في البرلمانات العربية هي 5.7%.

تتناول بعد ذلك فكرة الخطاب الديني الذي تراه هو السبب الرئيس وراء هذا الوضع الذي تشكوه فيما يخص المشاركة السياسية للمرأة العربية. كما تعمّق مفهوم الخطاب حيث لأنه ليس فقط الكلام الذي يُقال وإنما أيضا هو السبطة. وتقول أن الخطاب الديني يختلف عن كافة الخطابات السياسية الأخرى كونه ينبثق من مرجعية مقدسة وكون من يتحدث به يتمتع "بسلطة رمزية" من المقدس.

ثم تُناقش تعريفها للأهلية والمشاركة السياسية؛ فتقول أن الأهلية هي اعتبار المرأة مساوية للرجل مساواة تامة ومنحها الحقوق المترتبة على هذه المساواة. وأن المشاركة السياسية هي "كل مظاهر الاهتمام بالشأن العام كالانتخاب والترشح وممارسة العمل الجمعياتي والنقابي والتعبير السياسي بالتظاهر في الأماكن العامة والتوقيع على العرائض والاعتراض على السياسة المحلية أو الإقليمية أو الدولية ... وتقلُد الوظائف التسييرية على مستوى السلطتين التشريعية والتنفيذية" وهذه الأخيرة هي محور اهتمامها لأنها الأكثر إشكالية.

بعد ذلك، تُناقش فكرة "رئاسة" الرجل في المجالين العام والخاص؛ فتقول أن سيادة الرجل ليست فقط في المجال العام، وإنما أيضا في المجال الخاص حيث تنص قوانين الأحوال الشخصية (حتى الأكثر تفتحًا منها - التونسية) على أن "الأب هو رئيس العائلة".

وتنتقل رجاء إلى دراسة الخطاب الديني ولهذا ثلاثة محاور: الاستدلال الديني على أهلية المرأة للمشاركة السياسية، والقاع الخيالي والمكبوتات وثقافة الفحولة والمواطنة.

المحور الأول

ترى رجاء أن أغلبية الخطاب المعترض على أهلية المرأة للمشاركة السياسية هو خطاب ديني. وتقسم الخطاب الديني نفسه إلى عدة محاور هي الاعتبارات "الطبيعية" والانتقال من الطبيعي إلى الإلهي وآليات الفقه والخطاب الديني التوفيقي. فيما يخص الاعتبارات الطبيعية ، تُناقش رجاء الآيات والأحاديث التي تستند إلى "طبيعة المرأة" وتتخذ منها ذريعة لحرمانها من المساواة، وكيف يتداخل الديني مع الطبي/الطبيعي في حالات كثيرة للتمييز. إلا أنها تُؤمن أن حجة الطبيعة اشتد التمسك بها في مطلع القرن العشرين وأن هناك سعي ناحية إظهار الفروق "الطبيعية" بين النساء والرجال. وإن كان الخطاب يتعامل مع هذه الفروق باعتبارها "مسلّمات"، فإن مفكك الخطاب يجب عليه التعامل معها كونها "مفترضات". ثم تستعرض رجاء بعض الثنائيات القديمة والحديثة، فقديما كانت الثنائية هي رجل/امرأة، ذكر/أنثى، حرارة (في الذكور)/برودة (في الإناث). وهناك ثنائيات حديثة اخترعها السلفيون والسلفيون الجدد لتكون مقبولة لدى جمهورهم الحالي: عاطفية/عقلاني، قوي/ضعيفة، رقيقة. وكل هذه الثنائيات ليست إلا تجليات لثنائية قديمة تعود للفلسفة اليونانية: إيجابي/سلبية في إحالة إلى تصورهم عن العملية الجنسية.

أما عن الانتقال من الطبيعي إلى الإلهي فإن الحجج القائلة بطبيعة المرأة التي تحدها عن التصرف بشكل مساوي للرجال تأتي بحجج دينية سلطوية. وبهذا يتم تحويل نظام الهيمنة البشرية الثقافية إلى نظام طبيعي سرمدي ومنه إلى نظام إلهي سرمدي. ثم تتناول الأحاديث الموالية لآراء السلفيين مثل "النساء ناقصات عقل ودين" و"لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، وتقول أن حتى وإن كان هناك من ينفي الأحاديث بحجة عدم صلتها فإن هناك مبادئ القوامة وحجاب المرأة في القرآن.

وعن آليات الفقه، تقول رجاء أنه لا توجد "آية تمنع المرأة صراحة من المشاركة السياسية ومن تولي المناصب السياسية". وعلى الرغم من ذلك فإن المعترضون على أهلية المرأة قد خلقوا فتاوى تقيس المشاركة السياسية على "الإمامة والولاية والتزكية" وهي نظم قديمة غير موجودة الآن. كما أنهم يسحبون مبدأ قوامة الرجل على المجال العام رغم أنه مبدأ بيتي يُطبق في حالة الإنفاق ويجتهدوا فإثبات أن عمل المرأة يُفضي إلى الزنا وبهذا فمن باب سد الذرائع أن نمنع النساء من العمل. وترد على كل استراتيجيات الخطاب المناهض لأهلية المرأة بأن القياس على أشكال السلطة القديمة مبني على مغالطات تاريخية ستفككها كما أنه مبني على رفض الواقع والتاريخ. أما سد الذرائع فله "بنية رهابية هوسية: كل ما تقوم به المرأة يمكن أن يؤول على أنه مؤد إلى الزنا".

وهناك الخطاب الديني التوفيقي والذي قسمته رجاء إلى تيار قديم وتيار حديث. يتمثل التيار القديم في رأي القرضاوي الذي قال بجواز دخول المرأة للمجالس النيابية ولكن ليس جهات سيادة أو رئاسة، لأنه ما زال يرى أن رئاسة الجمهورية خلافة أو إمامة. أما عن التيار الحديث التجديدي فهو "لا يكتفي بإباحة العمل السياسي للمرأة، بل يعتبره "واجبًا". وتستشهد هنا برأي هبة رؤوف عزت وتيار النسوية الإسلامية وتُعلق على هذا التيار أنه "وإن كان يخدم قضية المرأة فهو يبقى غير مقنع لأنه يعتمد على الإنكار: إنكار الاختلاف بين الماضي والحاضر."

المحور الثاني

تقول رجاء هنا أن الخطاب الديني المستخدم ليس فقط مبني على إرادة واعية وحجة عقلية ولكنه متجذر أيضا في اللا وعي. يتضح هذا في صورة "الفحل الحيواني الذكر الأوحد" وهو موجود في فكر العرب من الجاحظ إلى عباس العقاد. وهو القائل بأن "السلطة الفردية المطلقة ترتبط بصورة الذكر الفحل الأوحد" في التفكير الذي يماهي بين عالم البشر وعالم الحيوان. وتقول أن "للسلطة الاستبدادية وجه فحولي، أو لنقل أن الفحولية ليست مجرد قوانين ومقررات تفوّق الرجال على النساء بل بنية نفسية وفكرية للدولة التسلطية". كما تقول أن المعطيات الأسطورية "الفحولية" لها أيضا بُعد ديني يزيد في أسطرتها، وأن وجه الفحل الحيواني يتوارى وراء قناع سياسي-ديني يمثل وجه الأب الحامي، وهذا الأب يمكن أن يكون إمامًا أو زعيمًا أوحدًا مذكرًا. وتقول رجاء أن هناك حلقة مكبوتة في تيار النسوية الإسلامية وهي أفضلية الرجل على المرأة التي جاءت في القرآن.

المحور الثالث

التركيبة الفحولية-السياسية ليست فقط في العالم العربي ومثال على ذلك علم السوسيوبيولوجي في أمريكا، ولكن تظل نظرية غير مؤثرة في سن القوانين. والنوازع الذكورية ما زالت موجودة في العالم أجمع، إلا أن العالم الغربي طور معارف ومباديء تقيه منها ومن هذه المعارفة دراسة الجندر وآليات الشراكة أو التناصف. أما في العالم العربي فيضاف إلى التركيبة الفحولية السياسية بُعد ديني ولا تهمش في الممارسة الاجتماعية أو السياسية كما هو الحال في الغرب.

حلول فكرية وقواعد مغايرة تراها رجاء بن سلامة

  1. يمكن للمدافعات عن المرأة القول أن "المشاركة السياسية عموما ليس المشاركة النسائية للمرأة حسب أمر لم يكن مفكرا فيه في الابستيميه القديمة." وعليه فيمكننا الانطلاق من هنا لإعادة التفكير وإعاد البناء.
  2. الوعي بالتاريخ وعي بالنسبية، والوعي بالنسبية وعي بالحدود.
  3. ما يحول دون الاعتراف بأهلية المرأة هو عين ما يحول دون السياسي.
  4. رفض الحجاب والتأثم (الترحيب بالاختلاط والخلوة والمصافحة بدلا من الهوس بتأثيمها).
  5. "مقولة الاختلاف الجنسي مقولة خاوية" لأنها تكرس هيمنة جنس على الآخر.

الفصل السابع: الحداثة والحداد

نسخة إلكترونية PDF للكتاب

كتاب بنيان الفحولة على ويكي الجندر