وثيقة:ألسنا فلسطينيات كفاية؟

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

Circle-icons-document.svg
تدوينة
تأليف سارة قدورة
تحرير غير معيّن
المصدر سحماتيّة
اللغة العربية
تاريخ النشر 2019-08-29
مسار الاسترجاع https://suhmatiya.wordpress.com/2019/08/29/ألسنا-فلسطينيات-كفاية؟/
تاريخ الاسترجاع 2019-08-31
نسخة أرشيفية https://archive.is/hKcQb



قد توجد وثائق أخرى مصدرها سحماتيّة



قُتِلت اسراء غريب على يد عائلتها، أو كما تدّعي عائلتها، توفت في “ظروف غامضة”، رجحّوها لأسباب نفسية وعقلية، بالرغم من إلمام صديقاتها وبعض أفراد عائلتها بظروف موتها. قُتِلت اسراء في مجتمع خاضع للإحتلال ولسلطة مستقلة في الآن نفسه، مجتمع باتت جرائم قتل النساء فيه حدث يومي، وفي الوقت نفسه لا تزال قضاياهن بعيدة عن سلّم الأولويات: الوطن أولاً، الأرض أولاً، التحرير أولاً.. وكأنهم يخبرونا بشكل واضح وصريح أنّ الوطن والأرض لرجاله، والتحرير لا يطالنا نحن النساء.

النساء اللواتي يُقتلن على أيادي أفراد عوائلهن وشركائهن لسن جزءاً من معادلة الشهداء، ولا يحسبن ضحايا أنظمة وبنى اجتماعية إذا ما كان المعتدي هو المحتل، فلا زالت جرائم القتل هذه تحصر في النطاق الخاص الذي يضيق بنا يومياً. المشاكل العائلية التي تسلب نسائنا في الضفّة والداخل وغزّة ومخيّمات الشتات لا تأخذ نصيباً من الإهتمام، بل يتم التغطية عليها وحمايتها من قبل الشرطة والفصائل والعائلات، ولا ندرج ضمن إحصائيات الخسارات البشرية التي تطال الفلسطينيين/ات أينما وجدوا. ألّا نضحي بحياتنا بمجرّد وجودنا في سبيل أخلاقيات وتقاليد الوطن؟ متّى تستحق قضايانا حيّزاً ضمن مطالب التحرير المحقّة؟ بعد كم شهيدة قُتِلت من أجل الشرف؟ بعد كم أسيرة سجنت في منزل أهلها وحرمت حقّ التنقل والعيش الكريم؟ متى تصبح أسوار منازلنا عالية كفاية، علو جدار الفصل العنصري الإسرائيلي، لتروا شرعية صراخنا ضد القهر والقمع الموّجه ضدّنا؟ هل نجعل من جثثنا جدارية بألوان العلم كي نصبح فلسطينيات بالشكل الكافي؟

اسراء ليست أول أو آخر امرأة تقتل في فلسطين أو حول العالم لدواعي الشرف، والشرف هنا قد حددته عائلتها على أنّه أمر خسرته متى صورت نفسها مع خطيبها على تطبيق تواصل اجتماعي. واسراء، مثل الكثيرات ممن قتلن قبلها بسبب النظام الأبوي، لبست التهم والمبررات قبل أن يرتاح جسدها تحت التراب، فبدأت إدعاءات مرضها النفسي بالشيوع من قبل عائلتها نفسها. العائلة التي عادةَّ ما تتستر على أمور الصحة النفسية وتخجل بها، تصبح فجأة خبيرة في أمورها عندما يمكن استخدامها لتبرير ما لا يمكن تبريره. النساء لهن نصيبهن التاريخي من اتهامات الجنون والهيستيريا، غير ركوب الجنّ والتشعوذ (حجّة أخرى استخدمتها عائلة اسراء)، وهذا التاريخ شهد على تواطؤ الطب النفسي والأنظمة العنصرية والمتحيّزة ضد النساء للتهميش ضد الأقليات وتحجميهن وتبرير العنف الممنهج ضدهن. فقبل اسراء، “توفت” العديد من النساء في ظروف غامضة أخرى، ظهر بعدها أنّهن كنّ مجنونات، أو ركبهن الجنّ وتم الاضطرار للتعامل معهن بعنف لتطهيرهن، غير قصص النساء السوداوات بشكل خاص اللواتي ينتحرن في ظروف غامضة ويلبسن تهمة الجنون، لكي يبريء المحيطين بهن أنفسهم من ظروف حياتية وظروف عمل مهينة وقاهرة. نحمل تهم الجنون عبر القرون، ونحن نعي أنّه بمجرد إدراج مصطلح “مرض عقلي” إلى جانب أسمائنا، تسحب منّا أصواتنا وشرعيتنا وحقّنا في الحياة والتمرّد، ويعطى جلّادينا كل التبريرات لتخليص المجتمع منا.

أفكر بما جرى مع اسراء، وأفكر بالقصّة وقربها من قصص كثيرة تحصل في عائلتي أنا إبنة الشتات، قصص تدرج تحت خانة النميمة ونقل الكلام، وهي أعمق بكثير في الأذى والمعنى. حسب ما تداولته إحدى صديقاتها، اسراء تعرّضت للعنف بعدما أخبرت إحدى قريباتها أهلها عن صورتها مع خطيبها على “إنستاغرام”، وهو أمر يكاد يكون سخيفاً لدرجة تلعي النفس، أن تموت إحدانا بسبب عدم تستر إبنة عم عن صورة عفوية. لكن نظام الرقابة والوصاية الذي تفرضه الأبوية متشبع في لاوعي النساء، يجعلنا نراقب بعضنا البعض، نستخدم بعض الثقة التي تأتي مع كوننا بنات بين بعضنا البعض لكي نتفاوض على قيمتنا ووصولنا وموقعنا ضمن النظام الأبوي. من تحافظ على صورتها الاجتماعية أكثر؟ من تظهر من جسمها في الصور أقل؟ من لا تدخل في العلاقات مثل غيرها من الفتيات؟ من يمكنها أن تأتي بالأخبار الفاضحة أسرع؟ أمور تتسارع عليها الفتيات منذ الصغر، ليس لأنّ النميمة وعدم التستر أمراً ورثناه في حمضنا النووي، بل لأنّه أمر نتعلمه كما نتعلم أدوارنا الجندرية، من أمّهاتنا وقريباتنا، لكي نحيا وننجو. نتعلّمه ككقيمة خاضعة للأبوية ومقاومة لها في الآن نفسه. نريد أن نحمي أنفسنا من العنف الموجه ضدّنا، فنمرره لغيرنا من النساء. يأخذنا الكثير من الوقت ونسيان ما تعلمناه لنعي أنّ الحماية الحقيقية لنا هي في اللم على أنفسنا ومساندة بعضنا البعض، وفي التصدّي لمحاولات تفرقتنا على أساس هرمية الشرف والعفّة.

علينا نسيان الكثير من القيم والممارسات الذكورية، وخلق البدائل لها من ممارسات تضامن ومساندة وحماية. علينا التحدّث سويّاً أكثر، نحن البنات والنساء، وحضن صغيراتنا ومساندة كبيراتنا. علينا أن ننم أقل عن من نشرت صورها على إنستاغرام، والنمّ أكثر عن من تحرّش بنا وضايقنا. علينا التشبت بحقوقنا ومطالبتنا بالعدالة من أجل كل النساء و الأقليات الجنسية والجندرية، لأننا الوحيدات اللواتي يمكنهن القيام بذلك. إذا ما فرضنا أولوياتنا، ستموت المزيد من النساء، وسيخمد صراخنا المزيد من الصراخ الرادح الذي يكرر “لستن أولوية! حقوقكن ترف! الإحتلال هو القضية الوحيدة! نسويات وناشطات ما تحت الخصر!”. علينا أن نكون نسويات ما تحت الخصر دون خجل، لأن ما تحت الخصر حقيقي، شرعي، ومستفز، نٌقتل ونٌحبس ونٌقمع من أجله. لا حركة دوننا نحن، لا تحرر دوننا نحن، ولا نشيد جماهيري سيغطي على أصواتنا نحن.