وثيقة:إلى يوم آخر يا شيرين أبو عاقلة… هل ظن فعلاً أنه يستطيع قتل الذاكرة؟

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

"مقال صحفي" is not in the list (أطروحة أكاديمية, إعلان مبادئ, بيان, تدوينة, تقرير صحفي, تقرير, حوار صحفي, خبر, دليل تدريبي, رسالة, ...) of allowed values for the "نوع الوثيقة" property.

Circle-icons-document.svg
مقال صحفي
تأليف ورد زرّاع
تحرير غير معيّن
المصدر درج
اللغة العربية
تاريخ النشر 2022-05-15
مسار الاسترجاع https://daraj.media/90756/
تاريخ الاسترجاع 2024-03-24



قد توجد وثائق أخرى مصدرها درج



بدأت حديثاً بتلقي دروس للرسم بالألوان الزيتية، لطالما تجنبت هذه الألوان التي تتطلب رفاهية المكان والوقت، وهما ما افتقرت لوفرتهما طوال حياتي. عندما تبدأ بالرسم بالألوان الزيتية لا يجف اللون سريعاً كما في ألوان الأكريليك، ما يتيح لك إمكانية التعديل أو المحو.

أكتب ما أكتبه بعدما هربت من أمام شاشة التلفزيون التي تسمرت أمامها أراقب جنازة شيرين أبو عاقلة الاسم الذي نبصر صاحبته دون حاجة للالتفات، فقد كبرنا مع صوتها تنقل لنا أخبار البلاد. لو أتيح لي أن أعيد رسم المشهد، مشهد مقتلها وارتقائها مرة أخرى بألوانٍ زيتية قابلة للتصحيح، لعلني استطيع حرف مسار الرصاصة فلا تدخل رأسها ولا تموت.

شيرين أبو عاقلة، ماذا أراد القناص منها؟ هل ظن فعلاً أنه يستطيع قتل الذاكرة؟

نحن الذين رُسم واقعهم بأقلام حبر سائل لا تجف ولا تصحح، تفيض بالأحمر فوق بياض الصفقات والمعاهدات. إلى متى نعيش الوداع كطقس حياة يومي؟

ما الذي يحزنني إلى هذا الحد؟ أسأل نفسي وأنا غير قادر على تجاوز الحدث- بعد كل ما مر بي من حرب سوريا، النزوح، اللجوء، خسارة الأصدقاء، لماذا أبكي الآن؟

يأتي تورطي بالحدث بصفتي لاجئاً، وابن مخيم، لأنني أدرك جيداً أهمية من يتكلم عني وعن قضيتي. ما كنتُ في الفاجعة على الحياد أندد باغتيال امرأة من بلادي. كنت أنا أيضاً قتيلاً في زاوية ما، فهذه السيدة ضحت بنفسها لتروي قصتي. لتوصل صوتي أنا وكل أبناء الخيام. أن تُقتل على جدار مخيم للاجئين قبل اجتياحه للمرة الألف إشارة لا ريب فيها تدل على من هو المجرم ومن هي الضحية! لا يتم التطرق إلينا نحن اللاجئين أهل الشتات عند الحديث عن فلسطين على رغم أنها الحجر الأساس في كل تفاصيل الهوية لدينا، طريقة عيشنا، إمكانية تنقلنا، عملنا، أوراق زواجنا، تسجيل أولادنا بدائرة النفوس، الرعاية الصحية، حقوقنا التي تتجاوز كرتونة الإعاشة وحبوب الدواء، هذه التفاصيل وغيرها تلتصق بشكل مباشر بوصم (بلا وطن) (state less) معلق على إقاماتنا الموقتة في البلاد. يتم إسقاطنا لعجز العالم أمام حل مشكلة وجودنا فلا هو ينكرنا ولا هو يعترف بنا… يتجاهلنا وهو أسوأ ما في الأمر. أتمسك بفلسطين كدليل على وجودي. ألملمها كقطع “ليغو” مبعثرة لأحصل على هويتي. كل فقد فيها هو انتقاص مني، أريدها كاملة لتتسع لي. لهذا يرعبني موت من تكلم عني، من وثق جرائم الاحتلال لأنني أخاف أن أُنسى فأبقى عالقاً في برزخ بلا ضفة. مبعثراً في كل مكان.

الوطن الذي لم أزره إلا في الصور والذي أحفظه عن ظهر قلب يتجسد بمن وقفت على باب المخيم وسط الرصاص لتحمي بقايا من بقي لتصرخ “في ناس هون”. لكن ليس كل الصراخ صوتاً! هناك من ينقل الخبر ولو كان جثته. من يشير بدمه “أنظر هنا”… هنا مخيم لاجئين أُقيم عام 1953، ويقع إلى الجانب الغربي لمدينة جنين ما كان هذا المكان قبل أن يصبح مخيماً للاجئين الهاربين من مدنهم المحروقة؟

عندما كنتُ طفلاً اعتدت أنا ورفاقي في المدرسة الإبتدائية أن نحب الرقم سبعة ونمقت الثمانية، وذلك يرتبط بأغنية علمونا إياها تربط شكل الرقم بحركة جسم يقوم بها الطالب تقول “والسبعة تشكر ربها، والتمانة زعلانة”، فلماذا كانت الخيام كلها على شكل ثمانية؟ لماذا كانت المخيمات زمور الخطر لإسرائيل التي تقتل كل ما نادى بها أو اقترب منها؟ هم يخافون أهل المكان الحقيقيين.

تجمعنا اليوم شيرين كلنا من في الداخل، في فلسطين المختزلة، و في الشتات حول علم البلاد يلف جسدها. نعترف بجميلها كلنا على اختلاف أمكنتنا هي التي تكلمت عنا جميعاً. كان هذا عملها لكنها ما مارسته كوظيفة بل كواجب تجاه فلسطين. لم تغفل يوماً عن الانتهاكات والجرائم التي تمارس كل يوم. اختارت ألا تهرب من كل هذا الألم بل أن ترصده، أن تصرخ به بتواتر لا يكل ولا يمل لأكثر من عشرين سنة. أنا هنا! تجلس مع سترتها الزرقاء ساعات وساعات. إياك أن تفعل! تقول بعينيها محذرة ويفهم القتلة.

نجتمع حولها وهي تعيد لنا صورة المرأة الفلسطينية التي نشأنا عليها، في المخيم حيث كان الشاب منا يحلف “بحياة أختي” على أنها أثمن ما لديه قبل أن تشوهها الإيديولوجيات الدخيلة التي حولت المرأة من ثورة إلى عورة، تسقط كل يوم ضحية لجرائم اللاشرف الذكورية. تنفض عنا وعن المكان غبار الزائلين فيَبكيها الرجال والنساء على حد سواء. كلما مر نعشها أمام مدينة أو مخيم خرج الناس إليها مودعين وشاكرين. لأننا نعلم… كلنا نعلم جبن القاتل ونعلم أنك من بقيتِ في القدس وأنهم راحلون.