وثيقة:العاملات الأجنبيات في المصحات النفسية في لبنان: مرض نفسي أو تشخيص عنصري؟

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

صوت النسوة.png
مقالة رأي
تأليف حركة مناهضة العنصرية
تحرير غير معيّن
المصدر صوت النسوة
اللغة العربية
تاريخ النشر 2017-07-25
مسار الاسترجاع http://sawtalniswa.org/article/614
تاريخ الاسترجاع 2018-04-10



قد توجد وثائق أخرى مصدرها صوت النسوة



"دخيلكن ساعدوني ما تخلوهن يجبروني اخد الدوا ويرجعوا يخلصوا مني. ما ح تخلوهن يعملوا هيك، صح؟"

هذه الاستغاثة التي وجهتها لنا مارتا منذ حوالي السنة، في آخر لقاء بيننا في دار العجزة، قسم الأمراض النفسية والعصبية. بعدها فقدنا أي أثر لمارتا، وكل محاولاتنا للبحث عنها، باءت بالفشل.

لم يكن يجدر بمارتا أن تكون بهذا القسم من المستشفى، الا أنها الحلقة الأضعف والقرار ليس بيدها، ومصيرها في لبنان يحدد اما من قبل الكفيل أو من قبل مكتب الاستقدام. بعدما دفعها أحد العاملين في المكتب، وتعرضت لضربة قاسية على الرأس وأُدخلت الى قسم الطوارئ في مستشفى المقاصد قرر صاحب المكتب أنّ مارتا مجنونة ويجب إدخالها في قسم الامراض النفسية. فهو عذر كاف ومكان آمن لإخفاء أي أثر لأي ذنب يقترفه هو أو غيره من هذه المكاتب المتفشية في أرجاء هذا البلد.

عند زيارتنا لمارتا، وفي القسم نفسه، التقينا بعاملة أجنبية أخرى كانت تقرأ الانجيل في رواق المستشفى، وأخبرتنا أنها هنا منذ بضعة شهور ولكنها لا تدري سبب وجودها وانها المرة الأولى التي ترى فيها 'لبنانيين' يزورون أجانب في هذا القسم، الذي يشمل أشخاص بمثل حالتها (أو حالات مشابهة لحالتها)، و ينتظرون الخروج بفارغ الصبر.

سمعنا الكثير من المناوشات عبر الهاتف، بين الطبيب الموجود، والطبيب الذي إستلم مارثا من مكتب الاستقدام، و قد تبين أن مارثا لا تحتاج سوى الدخول إلى مستشفى للإعتناء بكدمات رأسها فقط، وأنه بدلا من ذلك ، قد تم إدخالها قسم "المجانين" مقابل مبلغ من المال ، بالرغم من أنها عاقلة وسوية و متزنة.

وقد كان الطبيب الموجود، وهو الأصغر سنا، مستاءً جداً من الطبيب الذي أدخلها قسما لا يمت لها بصلة، فأسكته الطبيب الأكبر سناً، و طلب منه عدم التدخل في 'ما لا يعنيه'، وأن يركز على عمله وحسب. عمله وحسب؟

منذ سنوات، نشر فيديو لعاملة إثيوبية، عالم دشاسة، تتعرض للضرب في الشارع وتسحل من قبل كفيلها/ صاحب المكتب، وقد جرى ذلك على بعد أمتار من قنصليتها، و على مرأى ملايين الأشخاص الذين حضروا الفيديو وتأثروا كثيراً كونه كان من الفيديوهات الأولى التي عكست كميات الإذلال التي يعيش تحتها مئات آلاف الوافدين للعمل في لبنان.. وطبعاً، لقد لحق ذلك تبريرات أن المشهد ليس كما نراه، فهذه العاملة مريضة نفسيا والمُشاهد لا يدري ما الذي حصل فعلا. كل كل ذلك حصل، قبل إسبوع من أن لقيت 'عالم' حتفها في المصح العقلي التي أودعت به بعد هذا الفيديو. من المعلوم والمتداول، أن العذر المعتمد للإعفاء من المسؤولية و صد وإسكات أحدهم، تحديداً النساء كما جرت العادة، هو اتهامهن بأنهن مصابات بالجنون أو المبالغة أو كثرة الحساسية والهلوسة. عشرات من العاملات الأجانب يرمين في المصحات النفسية للحجة نفسها. وهنا لا ندعي أن جميع العاملات لا يعانين من أمراض نفسية، فمن لا يعاني من مئات الأمراض المكدّسة جراء هذه الظروف الاستعبادية. ولكن لننظر للموضوع من زاوية أخرى ولنسأل أنفسنا، لماذا يسوء قطاع الصحة النفسية للعاملات؟ وما الذي يؤدي بهن الى مثل هذه الحالات؟ لماذا ينتحر عدد كبير منهن، بطريقة مستمرة ومتزايدة منذ سنين طويلة؟ ما القاسم المشترك بين كل هذه المجنونات، السريلانكيات، والفلبينيات، والبنغلادشيات، والنيباليات، والاثيوبيات، اللوات يرمين بأجسادهن، النحيلة جداً بمعظم الحالات، من على شرفات بيروت وضواحيها إسبوعياً، أو يومياً؟ أهي هواية مشتركة للفقيرات ذوي البشرات الداكنة يا ترى؟ اهو مرض نفسي مشترك بينهنّ علما انهن من بلاد وثقافات واماكن مختلفة؟

أم هي عوامل أخرى، نعرفها كلنا جيداً، في بلد صغير كلبنان، نجد به 'عاملة منزلية (أو اثنتين أو ثلاثة) في كل بيت نزوره، بيوت الأهل، والأصدقاء، والجيران، والمعارف؟

  • ساعات العمل اللا متناهية
  • حرمانهن من أيام العطل والنفس والحرية
  • الحجز غير القانوني لجوازات سفرهن وأوراقهن الشخصية
  • تعرضهن للعنف اللفظي و الجسدي و النفسي و الجنسي في العديد من الحالات
  • تجويعهن أو اطعامهن ما تيسر أو تبقى
  • اعتبارهن غريبات الأطوار، أو مقصرات في عملهن، لأنهن لا يفهمن العربية، أو ما يطلبه أصحاب المنزل، من الإسبوع الأول
  • العمل بالسخرة أي من دون راتب أو مع راتب متأخر دوماً أو مشروط.
  • التحكم بكل تفاصيل حياتهن، ما يلبسن، متى يرتحن، متى ينمن، في كم منزل يعملن، من يحببن، من يكرهن، الخ

ان المعادلة بسيطة غير محتاجة إلى الكثير من التحليل والتنقيب. كل ذلك يؤدي إلى تدهور صحة العاملات النفسية ويدفع بعضهن إلى تفضيل إنهاء حياتهن على البقاء في هكذا دوامة لا متناهية من العنف. أو في حالات أخرى، يدفعهن إلى محاولة الهرب، كونهن بمعنى أو بآخر محبوسات في هذه البيوت، وليس لهن أي سبل مشروعة ومتاحة للإستقالة من هكذا عمل، أو لتغيير العائلة الكافلة. فيتضطرن الى سلوك هذه الحياة طبعا، وسبل الخروج الوحيدة هي الشرفة أو النافذة، فالباب مقفول. فكم على الشخص أن يكون مقيداً، ومخنوقاً، ومجرداً من أي أمل أو إحتمالات أخرى، كي يلجأ إلى تعريض حياته للخطر، مثل تركيب كل أغطية الشراشف في البيت واستعمالها كحبل طويل للعبور من خلالها إلى الطابق الأسفل، من الطابق السابع في أنصاف الليالي!

مؤخرا عقدت وزارة الصحة مؤتمرا، أعلنت فيه أن "العاملات الأجانب بالاضافة إلى السوريين والفلسطينيين، هم أكثر الفئات حاجة إلى العلاج النفسي، ولذلك ستتاح لهم الاستفادة من الطب النفسي مجانا" ولنفترض أن هناك اهتمام جدي بهذه الفئات وصحتها النفسية، هل يمكن للعاملات الأجانب أن يصلن إلى هذا العلاج دون موافقة "رب عملهم"؟

ومن هو المسؤول عن كفالة العاملة ومتابعة اجراءتها القانونية لدى الامن العام (من اقم وغيرها) في حال دخلت المستشفى او المصح؟ هل يتك معالجة العاملة مع الشرح لحالتها بلغة تتقنها؟ هل يتم مشاركة هذه الحالات مع الكفيل وما دور الكفيل اذا تبين ان الوضع النفسي للعاملة ناتج عن معاملة الكفيل لها وظروف العمل المنزلي؟ أما السؤال الأهم، لماذا تعالج النتائج بدلا من معالجة المشكلة من الجذور؟

العاملات لسن بحاجة إلى معالجة طبية نفسية، (ومشكورين على هكذا مبادرة طبعاً) بقدر ما هن بحاجة إلى:

  • تسريع معاملة سفرهن والعودة إلى بلدهن من قبل الأمن العام عندما يطلبن ذلك وعندما تسوء حالاتهن النفسية جراء ما يلقينه من معاملة هنا.
  • عدم اللجوء الى مراكز و مستشفيات علاج النفس كمكان لإسكات العاملات المنزليات المهاجرات وسجنهن فيها. وعدم السماح لاي من المعالجين النفسيين بفحص و تشخيص حالاتهن فقط لاختلاف مظهرهن أو تصرفاتهن.
  • إلغاء نظام الكفالة المجحف حق إجحاف بقدر ما لا يقل عن ١٠٪ من سكان هذا المكان واستبداله بنظام أكثر إنسانية ومنطقية، لا يربط وجود العاملة بإسم شخص واحد، بل بعملها فحسب هنا.
  • دمج العاملات المنزليات ضمن قانون العمل اللبناني، وبالتالي، ضمان حماية قانونية شاملة لهن وطرق مشروعة يمكنهن الاستناد إليها عندما يتعرضن للعنف، أو للإبتزازأو للإساءة على انواعها.
  • معاقبة من يقوم بـالانتهاكات بحقهن من أصحاب منازل، أو مكاتب، أو قوى أمنية.

والقائمة طويلة، ولكنها متاحة للمهتمين، فالجمعيات المناصرة لقضايا العاملات، وعلى رأسها عاملات حقوقيات وناشطات، ناضلن في لبنان لعشرات السنين عن أوضاعهن، يعدن ويكررن كل سنة، في يوم العمال العالمي وغيره، المطالب التي يتمنينها ويحتجنها للعمل بظروف إنسانية ومحترمة وعادلة، تصون حقهن بحياة كريمة.

أليست كل هذه الأسباب كافية ووافية لأن تعود العديد من هذه العاملات إلى بلادها غير متزنة من قساوة ما تعرضن له؟

حضرت مرة وثائقي يصف أن هناك العديد من البلاد، وعلى رأسها سريلانكا، قد بنت مستشفيات خاصة على أبواب المطارات لإستقبال مئات الحالات لنساء تعود إسبوعيا من منطقتنا وهي بحاجة ماسة للمعالجة النفسية أو غيرها، فتخرج من الطيارة إلى سرير المستشفى حالا.

يا سلام.

كم هي جميلة سمعتنا حول العالم.

في لبنان، تنتحر عاملتان كل أسبوع، ما يعني حوالي 9 عاملات شهرياً، أي مئة وأربع عاملات ينتحرن سنويا في لبنان على أقل تقدير، وحسب ما يصلنا من الإعلام، وكل هذه الأرواح مهدورة بلا أي رقيب أو حسيب أو تحقيقات جدية أو علنية. هؤلاء لا ينتحرن لأنهن يحبون ذلك، هؤلاء يفضلن إختيار الموت أو احتماله على الحياة 'والجنون' الذي يعشنه. صفة الجنون المطلقة على أكثرهن، ليست سوى وجهة نظر الأغلبية اللبنانية، التى حان وقت مراجعة نفسها لنفسها. رجاءً.