وثيقة:النساء السودانيات - ما بين حملات العنف في الشوارع إلى القتل في المنازل

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

نحو وعي نسوي.jpg
تدوينة
العنوان النساء السودانيات: ما بين حملات العنف في الشوارع إلى القتل في المنازل
تأليف روني فيتاليا
تحرير غير معيّن
المصدر نحو وعي نسوي
اللغة العربية
تاريخ النشر 29-03-2021
مسار الاسترجاع https://feministconsciousnessrevolution.wordpress.com/2021/03/29/النساء-السودانيات-ما-بين-حملات-العنف-ف/
تاريخ الاسترجاع 07-03-2021
نسخة أرشيفية https://archive.ph/jMLHd



قد توجد وثائق أخرى مصدرها نحو وعي نسوي



في مارس شهر النضال النسوي نذكر أنفسنا بتاريخ نضالنا كنسويات، كما نستمر في تذكير العالم بضحايا وشهيدات الغدر الذكوري اللواتي يسقطن كل يوم على يد النظام الأبوي القاتل. اخترت كإمرأة سودانية أن أسلط الضوء من خلال هذا المقال على معاناة نساء بلدي وبنيات العنف الممنهج المتعددة التي تواجهها النساء السودانيات والأفريقيات بشكل عام. خصوصاً مع عودة قضايا العنف إلى الواجهة بعد استشهاد ثلاث نساء سودانيات على يد الأبوية، وشن حملة ذكورية على تواجد النساء في الفضاء العام.

    الدم قصاد الدم – حتى لو أبوي – دايرين حق سماح – أبوي قتلني – لا لقهر النساء – ساجدة – سماح – فايزة

أسماء نعرفها جيداً وبقيتها جميعها عبارات لا تكاد تفارق أفواههن وبشعارات وأصوات عالية وبكل شجاعة يهتفن! تجمعت العديد من النساء السودانيات أمام مبنى وزارة العدل للاحتجاج على مقتل الفتاة سماح ذات الـ 14 ربيعاً، والتي لم يتم الاعتداء عليها فقط، بل أيضاً دهسها بواسطة السيارة ثم اطلاق ثلاث رصاصات عليها والمجرم والدها حر طليق يستقبل الضيوف والعزاء، والشعب المتعنتر يبرر للمجرم كعادته ويتراوح خطابه بين التبرير والتفسير، وصولاً لخلق سيناريوهات وتوقعات، إلى تقديم الاحتمالات والاعتذارات والغفران.

يوجد فرق كبير بين أن يرتكب أحدهم جريمة بكامل علمه أنها جريمة وأن يرتكبها بمباركة القانون وكجزء من العادات والتقاليد وكممارسة تعتبر جزء من الثقافة السودانية. فحسب القانون الجنائي السوداني لا يحاسب الأب أي “ولي الأمر” إذا قام بقتل أحد أطفاله، حيث يعتبر القانون أن “الوالد لا يقتل بولده” ويقيم فعله كإسرافٍ في التأديب لا غير.

فالعنف هنا لا يمارس فقط بجميع أنواعه التي تُتخذ كوسيلة تربوية وتأديبية، بل أيضاً كسلطة ووصاية جسدية وجنسية وعاطفية ونفسية.

لم تكد تمر أيام على مقتل سماح حتى ظهرت قضية غدر ذكوري جديدة ضحيتها ساجدة التي قتلت على يد أخيها ووالدها يوم 8 مارس في كيباكيبة – شمال دارفور. حيث اعتدوا عليها بالضرب والتعذيب حتى الموت لأنها ارتبطت بشخص يعيش في نفس الحي. هذه الجريمة تبرز واقعاً تعيشه معظم النساء وهو السيطرة على جنسانيتنا وعواطفنا وأجسادنا وخياراتنا العاطفية والحميمية من المنع من اختيارنا للشريك/الشريكة إلى الاجبار قسراً على الزواج.

كنساء لدينا عدة تجارب مع الوصاية الذكورية والأبوية على أجسادنا وملابسنا وتحركاتنا وعفويتنا وردود فعلنا، التحرش والاعتداء والعنف الجنسي والجسدي موجود ويحصل ليذكرنا أننا ننتمي للمنزل والجدران، ويذكرنا بالاحتكار الذكوري وتقسيم الأماكن التي يسمح أن نكون فيها بالرغم من أن وجودنا بها مؤقتاً وسريع ولا يجب أن يطول أو فقط يقتصر على دور معين، وبأنه توجد دائماً مبررات للمتحرش وأسباب لومٍ للضحية كما توجد مبررات لقتلنا وغدرنا.

ومن سماح وساجدة إلى فايزة محمد عمر ذات الـ 15 ربيعاً التي قتلت على يد والدها الذي قتلها عبر الاعتداء عليها جسديا وضربها حتى الموت في نفس الفترة، تعود تفاصيل الحدث إلى أن والدها قد وجد معها هاتف محمول وانهال عليها ضربا حتى الموت ثم سلم نفسه إلى مركز شرطة محلية شعيرية ليشاع * بأنه يواجه بلاغ تحت المادة ( 130 ).

حملات عنف واعتداءات في الشوارع – الفضاء العام

بعد أسبوع من جرائم قتل متتالية استهدفت نساء في عدة مناطق من السودان، قامت مجموعة بلطجية ذكورية البدء بما يسمى مبادرة “خلي سوطك قريب” والتي هدد أفرادها بالاعتداء على النساء في الشارع إن لم يلتزمن بالملابس التي يحددونها لهن هم كرجال، نشروا صورهم يحملون سياطاً ويتعهدون بالعنف على كل امرأة في الشارع والمواصلات العامة بل ونشروا بشكل منظم أسماء نسويات يودون استهدافهن لنشاطهن النضالي.

نعلم جيداً بأن هذه جريمة منظمة يعاقب عليها قانون مكافحة الارهاب لسنة ٢٠٠١م، حيث أن المبادرة (التشكيل الإجرامي) يسعى لتنفيذ مشروع إجرامي فردي وجماعي بهدف إلقاء الرعب على النساء وترويعهن بإيذائهن، والاجراءات القانونية ضد هذه الجريمة يجب أن تبدأ بمحاسبة من يهدد بالقيام بها عبر مواقع التواصل بإستخدام قانون جرائم المعلوماتية. فانتظار وقوع هذه الجريمة ثم معاقبة مرتكبيها فيه استهتار بأرواح النساء وتهاون في بسط الأمن وسيؤدي إلى عواقب وخيمة.

ورغم ذلك رأينا أن الدولة تستهتر فعلاً بكرامة وأرواح النساء، حيث نجد مدير شرطة الخرطوم يخرج هو الآخر في تصريحٍ صحفي ويلقي خطابا أبوياً وصائي يُظهر فيه وبوضوح ذكوريته ويطالب بإعادة قانون “الذوق العام” الذي يعمل وفقاً لهواء ومزاج رجال الدولة والشرطة والمجتمع، وينص على معاقبة النساء سواء جسدياً أو بالسجن بناءً على تقييم رجل الشرطة لما يرتدينه وما إذا كان يلائم المعايير “المحتشمة والمتسترة ” المناسبة لإرضاء ذكوريته الهشة، وخلافاً لذلك تصبح المرأة مستحقة للعقاب، الذي يبدأ بجميع أشكال الاعتداء، والاستغلال، وإساءة المعاملة الجسدية والنفسية والجنسية، والتهديد بالابتزاز، في تجاوز فج وعنيف واقتحام للحدود والمساحة الحرة على الصعيد الشخصي التي يحق للنساء أن تشغلها في الفضاء العام.

تكشف هذه القوانين والتصريحات التي تصدر من هرم النظام أن النساء يمثلن تحدياً للدولة والأسرة الأبوية والنظام البوليسي الذي يمثل الوسيط المتواطئ في كل ما يحصل.

وفي ظل الأبوية وأجندتها والفوضى السياسية والاقتصادية من قبل أن تبدأ ثورة ديسمبر 2018 وما بعدها، ازدادت المصاعب على النساء وقضاياهن وأصبحن يخضن الصراعات يومياً، كما ازدادت التعقيدات والصعوبات المتعلقة بتراتبية الحقوق والعنف الممنهج الموجه للنساء والأطياف الجندرية بناء على نوعهن وجنسهن البيولوجي الذي لا يتضمن فقط العنف الجسدي والجنسي والنفسي واللفظي والاقتصادي بل أيضا الإجبار والقسر واستغلال الظرف الاقتصادي. فهو بناء اجتماعي وثقافي تاريخي له أبعاد عديدة ولا يمكن حصره في منظور أو مفهوم أو صورة واحدة.

ودائرة العنف لا تنتهي هنا، بل تبدأ من أصغر ولاية وسلطة علينا إلى تحميلنا لمسؤولية كل شيء بسبب ما يربطنا بعلاقة أسرية أو علاقة إعالة أو كفالة أو وصاية أو تبعية معيشية ومالية وسكنية وتعليمية.

ولنفهم كيف تعمل المجتمعات على خلق جميع أشكال العنف الهرمية، الطبقية، والعرقية، والجندرية، يجب علينا تفكيك الخطاب السلطوي القامع لنا ولا يفيدنا ذلك بشيء سوى أنه يمكننا من فهم ومعرفة مصدر العنف وجذوره، فلا توجد حلول جذرية واقعية حقيقة يتم تطبيقها على أرض الواقع. كل مايوجد هو تعتيم ممنهج على قضايانا، واستخدام أنواع التضليل والتسكيت كلما علت أصواتنا حولها.

نعيش في عالم أبوي رأسمالي ذكوري بحت يريد خداعنا واخراسنا بشعارات رخيصة عن إدخال عدة نساء إلى الملعب السياسي كحلٍ لمشاكلنا، لن نجلس لنستمع لهراء رجال السياسة وخبثهم في الالتفاف على قضايانا. هذا ما يقال عنه انتصار ثورة المرأة السودانية؟ سئمت وسئمنا من هراء الخطابات النخبوية السياسية التي تختزل مكاسبنا كنسويات في وجود نساء في مواقع سلطوية\سياسية في أنظمة الدولة. فوجود نساء في مراكز سلطوية أبوية هو شيء لا يعود علينا بفائدة سوى أنهن يعدن من خلالها إنتاج وإعادة خلق نفس حلقة العنف، ويمارسن من خلالها ما تم تلقينهن من قبل السلطة.

نحن مؤقنات تماما أنه حتى وإن كانت المرأة في مراكز سياسية، إلا أن السلطة الذكورية لا تزال تغرز أنيابها جيداً لتمسك بنا في أبسط تمرد وعدم خضوع لمعاييرها الأبوية.

إشراك النساء في العمليات البوليسية الدولية الإجرامية الذكورية ليس بحقوق، بل استغلال واضح لقوة وطاقة نساء حتما سيشاركن باضطهاد نساء أخريات وفق سلطة وقوة ممنوحة لهن من نفس المنظمة الأبوية الذكورية، التي حالما يخالفن احدى أوامرها سينتهي بهن الحال تحت السلطة العقابية. وكما ذكرت رفيقة النضال سعاد فإن مؤسسات وأجهزة الدولة الأبوية صممت على نفس المنظومة القيمية والسياسية التي تستبيح أجسادنا ووجودنا ولا نتوقع منها العدالة أو أن تكون حليفة للنساء والمضطهدات والمضطهدين. في الحقيقة جزء كبير من النضال النسوي يجب أن يوجه لاسقاط هذه الأجهزة التي تنتج العنف وتحرص على استمراره.

الدولة السودانية لا زالت تتمسك بتلميع صورتها أمام الغرب والشرق فتضع أعذاراً واهية وتوقع اتفاقية لا يتم الالتزام بها وتنص قوانين لا تطبق، فمن فترة مثلاً سُن قانون يمنع ختان الإناث إلا أنه لا توجد جهة مسؤولة ومدربة للتعامل مع هذه الحالات، ولا يوجد سوى خط تستطيع الطفلة\المراهقة\المرأة الاتصال به لطلب المساعدة التي لن تصل لها.

شهدنا الكثير من الخيبات والخذلان والنسيان والتواطؤ والتستر على الإجرام الحاصل، وحتما لا يوجد إصلاح خارجي بدون إصلاح وترميم داخلي جذري للمنظومة كاملة، المنظومة القائمة على أعناق النساء وظلمهن، على قتلهن وتعنيفهن، وعلى ابقائهن اقتصاديًا في أسفل الهرم، عبر الفقر المؤنث. من العار أن تنفق الدولة الملايين على جهاز الأمن العسكري والشرطة والعروض السياسية\العسكرية المثيرة للسخرية، بينما لا يوجد مراكز إيواء للنساء المعنفات والهاربات والمشردات.

سأعيد مرارًا وتكرارًا لن نتسامح مع حملة جلد والاعتداء جسدياً على النساء والفتيات في الشارع، ولن نغفر لقتلة سماح وساجدة وفايزة، ونعلم أنه لن تتخذ الإجراءات القانونية تجاه كل من يقوم بهذا الفعل، فلا يوجد أية التزام بتطبيق بالقوانين المحلية والدولية التي وضعت في الأساس لتحمي المجرمين والقتلة والمتحرشين، يعلمون جيدا بأن لا عقاب أو محاسبة ستطولهم وسيصفق المجتمع ويبرئهم ويبحث عن أعذار واهية لهم.

تضامن النساء يكذب أسطورة “المرأة عدوة المرأة”

أظهرت قضية سماح لي ولنا جميعاً أن خط الدفاع الأول للمرأة هي المرأة، التضامن الكبير من النساء والفتيات على مواقع التواصل وعلى أرض الواقع مع قتل سماح وساجدة وفايزة والمطالبة بتحقيق العدالة لهن من خلال اطلاق هاتشاقات #أبوي_قتلني و#دايرين_حق_سماح. وبالرغم من الخوف والتهديدات، والحملات الذكورية كحملة السوط وتصريحات مفوض الشرطة، إلا أنهن خرجن للشارع وهتفن للعدالة ووجهن أصابع الاتهام للنظام الأبوي دون خوف وهتفن لحرية النساء ليؤكدن أن وجع أي امرأة هو وجع جميع النساء. رغم كل المحاولات الخبيثة من الذكوريين الذين كلما صار صوت النساء أعلى قاموا بتحويل الأنظار عن المتسبب في اضطهادهن، بإستخدام خطاب “المرأة عدوة المرأة” التي يحاول البعض من خلالها التعتيم على سبب معاناة المرأة في مجتمعنا.

حاول الرجل من خلال أسطورة “المرأة عدوة المرأة” أن يلصق تهمة اضطهاد المرأة بنفسها وغيرها من النساء أن يحملها العبء الثقيل الذي هو قهرها. ورغم وجود نساء وفتيات يدعمن حملة السوط والاعتداء، فنحن لا نضع اللوم عليهن نتفهم جيدا وجود الأبوية المستبطنة والجذور الخالدة للتمييز الجندري وتقبله في عقولنا، فالمرأة ضحية لنظام كامل قائم على تنشئة النساء على كراهية بعضهن واستباحة أجسادهن للعنف الأبوي.

نتفهم جيدا وجود نساء يفضلن الإيمان بأن ما يحصل لهن أو لغيرهن من ظلم وعنف يحصل بسبب سوء سلوكهن وتصرفهن وليس بسبب سوء المجتمع. هذا السياق له أبعاد نفسية، حيث تشعر بعضهن بدرجة من التحكم مما يساعدهن على الصمود لأن عشوائية الظلم مؤذية نفسياً. وقد نجد أحياناً أن بعض النساء يدافعن عن الأبوية والذكورية لحماية أنفسهن من قسوة وأذية المجتمع ومهاجمته لهن لخروجهن عن الصورة والاطار المرسوم لهن.

أفتخر بتضامن النساء والفتيات في السودان وبنضالهن ضد الخذلان والتجاهل من قبلالدولة التي لا زالت وستستمر في نهش ارواحنا وطمس أصواتنا وحقنا في العدالة.

وأخيرًا نحن لا نريد فقط قانون يحمينا من العنف في المنزل بل أيضاً في الشارع والأماكن العامة وغيرها، ونطالب بمراكز إيواء للنساء الهاربات والمعفنات مع توفير جميع الاحتياجات الصحية ( النفسية – الجسدية – العضوية – الإنجابية – الجنسية ) إلى أبسط مقومات الحياة وحرية الحركة والتنقل والسفر والأمان وإكمال التعليم المدرسي والجامعي وغيرها من الحقوق. ولن نسمح بتصنيف الحقوق إلى أساسية وأولية وثانوية! جميع الحقوق مهمة ويجب وجودها وضمان حصول النساء عليها.