وثيقة:برة بيتي يا نجس

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

شعار مجلة شباك.png
مقالة رأي
تأليف عمار ياسر
تحرير غير معيّن
المصدر مجلة شباك
اللغة العربية
تاريخ النشر 2018-07
مسار الاسترجاع https://www.shubbakmag.com/articles/37
تاريخ الاسترجاع 2018-27-10


نُشرت هذه المقالة في العدد 2 من مجلة شباك



قد توجد وثائق أخرى مصدرها مجلة شباك



"امراة أربعينية تقوم بممارسة العنف الجسدي ضد مراهقٍ، يشتبك الشاب معها ويدفعها دفاعاً عن نفسه، فتصرخ فيه قائلةً: إيّاك أن تعود إلى هنا ثانيةً." مشهد من فيلم“Saturday Church“ لفت انتباهي وأعادني سنتين للوراء ليلةَ معرفة أمي بيمولي المثليّة، حينها واجهتُ كلَّ أنواع العنف.. معنويَّاً ولفظيَّاً وجسديَّاً. حاولتُ الدفاع عن نفسي بإبعادها عني، فتصرخ هي الأخرى في وجهي "برَّة بيتي يا نجس .. مش عايزة أشوف وشك تاني" فأخرج هائماً على وجهي هارباً من أيدي أمي والأيدي التي شاركَتها في إيذاء جسدي.

لقد خرجتُ ولا أصدِّقُ أني فعلت هذا! خرجتُ من الجحيم إلى جحيمٍ أكبر في غضون ثوانٍ. فإخفائي لميولي ومحاولاتي اليومية لاصطناعِ شخصيةٍ لا أنتمي إليها من قريبٍ أو بعيد، ماعدا التشابه في الاسم، كان كالجحيم بالنسبة لي. وكان باب الخروج الذي أحلمُ به هو بابٌ إلى جحيمٍ أكبرَ، لم أكن أعلم أنَّ أسرتي الملتزمة دينياً هم حرَّاسُ هذا الباب؛ أسرتي الملتزمة والمتشدّدة في بعض الأحيان ظناً أنهم سيكونون من أهل الجنة في الحياة الأبدية قد يحوّلوا حياتي إلى جحيمٍ إذا عرفوا بميولي، وها هم قد اكتشفوا الأمر. و بمجرد الخروج من هذا الباب بدأ عذابٌ أكبر. بدأ بالكلام عن كيف أن سفكَ دمّي هو أمرٌ مسلَّمٌ به وحلالٌ لفعلي أمورَ ضدَّ الدين والطبيعة، و كيف أن رميي من أعلى بنايةٍ في المدينة هو ما سيخلِّص العالم من شروري، ووقتها سيعمُّ السلام في العالم و ينتهي الجهل والظلم والفقر. كان هذا كلام أمّي لي، قبل محاولاتها صفعي بحُجَّة محاولة إفاقتي من غفلتي، وأنَّ هذا الأمر ما هو إلا تخطيطٌ من رفقاء السوء الذين ظهروا فجأةً وبدون مقدماتٍ في حياتي.

هربَ بطلُ الفيلم من جحيمٍ إلى مصيرٍ مجهولٍ، وقد تابعتُه باهتمامٍ محاولاً توجيهَه... فقد مررتُ من هنا من قبل، قد يختلفُ الزمان والمكان ولكن خرجنا سوياً من هذا الباب. كان بطلُ الفيلم يعرفُ وِجهَته أما أنا فلا، فكانَ قضاءُ ليلةٍ في شوارع القاهرة الباردة أكثر أمناً من النوم في منزلٍ قد يقوم ساكنيه ليلاً بإنهاء حياتي. فكان النوم في الشارع أكثر أمناً من نومي مع من قضيتُ معهم أكثر من 24 عاماً من حياتي. تطرّقَ ذهني إلى الكثيرِ من الأفكارِ، متاهاتٍ واستنكاراتٍ وتهيُّؤات... هل مصارحتُهم بميولي كانت خطوةً بلهاء؟ هل هذه هي نهايةُ صراعي الداخلي مع ميولي التي نعتَتها أمِّي بالشاذّة؟ تُرى كم ستكون مياه النيل باردةً في فبراير إذا غمرتُ جسدي بها؟

تعبتُ من الركض و لكن لا يمكنُني التوقُّف، فقد يكونُ هناك من يتبعُني لتحقيقِ إنجازٍ يَفتخرُ به يوم حسابِه، فحينَها سيكونُ التّقيَّ الّذي قامَ بإنهاء حياة من كان السبب في تعاسة البشرية؛ ولكن في النهاية توقَّفتُ.. أنظرُ للأرضِ فأجدُ قدميَّ تدمِيان، فقد هربتُ من بين أيديهم حافيَ القدمَيْن. أخذتُ أصرخُ، فقد تركتُ لهم أثراً خلفي يسهُل تعقبُّه! وما مرَّت إلا لحظاتٍ حتّى بدأتُ أشعرُ بالألمِ ينتهكُ جسدي، فأكتشفُ كمَّ الآثارِ النّاتجةِ عن الضرب؛ لم تكُن قدماي فقط هي الجزءُ الذي يبكي دماً. لم أقدر على الحركةِ، ولكن يجب عليَّ التحرُّك .. أخذتُ أسحبُ جسدي لوِجهةٍ لا أعلم ما هي بعدُ. لا أعلم كم مرَّ من الوقتِ ولكنَّني بدأتُ أجدُ المدينة الصاخبة تهدأُ على غيرِ العادة.


نقفزُ لآخر مشهدٍ في الفيلم، حيثُ يعودُ البطلُ لمنزلِهِ وتستقبلُهُ والدتُهُ متقبِّلةً ميولَهُ؛ بينما أقفُ أنا فوق أحد الأبنيةِ التي تتميّزُ بأدوارها الكثيرة، وأتساءلُ كم من الوقتِ سيمرُّ حتى يحتضنَ جسدي الأرض؟