وثيقة:لن يسقط النظام إن لم تسقط فيه الأبوية

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

صوت النسوة.png
مقالة رأي
العنوان لن يسقطَ النظامُ إن لم تسقط فيه الأبوية
تأليف رانيا اغناطيوس
تحرير غير معيّن
المصدر صوت النسوة
اللغة العربية
تاريخ النشر 2019-11-16
مسار الاسترجاع https://www.sawtalniswa.org/article/634
تاريخ الاسترجاع 2020-10-07
نسخة أرشيفية http://archive.is/0vEwk


هذا النص هو واحد من النصوص المنشورة على موقع صوت النسوة في إطار نشر محتوى نسوي مرتبط بانتفاضة لبنان 2019



قد توجد وثائق أخرى مصدرها صوت النسوة



هذه الثورةُ تشبهُ تلك التي لطالما انتظرناها. لطالما انتظرنا أن يتوحّدَ شعبُنا تحت مطالبٍ معيشيةٍ واقتصادية. لطالما أملنا في أن تتحرّكَ حشودٌ من تلقاءِ نفسها وتملأ الساحاتِ بهتافاتِها المطالبة بحقِها في العيشِ الكريم ومحاسبةِ كل من صادرَ هذا الحق. لطالما أملنا في أن تصنعَ هذه التحرّكات القرارَ السياسي بنفسها، وتغيّرَ مجرى الأمور، وتبني مستقبلاً أفضل. لكن أملي اليوم وأملُ الكثير من النساء هو أن تكونَ هذه الثورةُ هي التي انتظرناها وناضلنا لعقودٍ من أجلها.

فلن تكون هذه الثورةُ كاملةً إن لم تحملْ مطالبَ نسوية. ولن يسقطَ النظامُ إن لم تسقطْ فيه الأبويّة.

ما همّنا من الإسكانِ إذا كان سكنُنا مرتبطاً بزوج ينقلنا من خانةِ الأبِ إلى خانته. ما نفع أن نأتي بقانونِ انتخابٍ عظيم إذا بقيت النساء يواجهنَ عقوباتٍ للترشّح (والإقتراع) وإن نجحنَ يُواجَهنَ بالذكورية كلما رفعنَ صوتَهن معترضاتٍ. ما نفعُ الأمنِ القومي والاستقرارِ ما دامت الرجولةُ السامة تقتلُ وتمارسُ العنفَ على الطرقات وفي المنازل. ما همّنا من المساحاتِ العامة إذا كان وجودُنا فيها مشروطاً باللبسِ والمكان والزمان. ما همّنا من فرصِ العمل إذا كانت غيرَ متاحةٍ للعديد منا بشكلٍ من الأشكال. ما همّنا من المواردِ والأموالِ الخاصّة والعامّة ما دامَ رجالُ العائلة والحي والبلديات والبلد هم الذين يتحكمون بها. ما نفعُ الضمان إذا بقي مرتبطاً بالعملِ المدفوع، وأعمالُ النساء ما زالت غير مقدّرة أو مدفوعة. ستبقى الخدماتُ الطبّية قاصرةً ما دمنا لا نملكُ أجسادَنا وحريةَ التصرف بها. وهل تسمّى حريةُ التعبير حريةً إن بقيت أصواتُ الرجال أعلى وأعنفَ من أصواتنا؟

لكل هذه الأسباب، ثورتُنا ثورةٌ نسوية. ومن أجملِ لحظاتِ هذه الثورة بالنسبةِ إلي المسيراتُ النسوية، كمسيرةِ "طالعة تسقط نظام" من المتحفِ الوطني إلى رياضِ الصلح في 3 تشرين الثاني، والتي سرنا فيها ضد النظامِ الأبوي الطائفي والعنصري والرأسمالي وهتفنا لحقوقِ النساء بهتافاتِنا المعتادة والجديدة: "حقُ المرأةِ في الجنسية - حقُ المرأة في الحضانة - حقُ اللاجئةِ أن تعيشَ بكرامة - حقُ المرأة في الإسكان – حقُ المرأة في الأمان – حقُ المرأة أن تملكَ جسمَها – حقُ المرأة تحكي بإسمها...". أما أبشع اللحظاتِ فكانت في التعليقاتِ والتصرّفاتِ الذكورية، أكانت من الثوارِ أو الخبراء والصحافيين والمذيعين. فكلُ خروجٍ للمرأةِ إلى الحيّزِ العامِ يرافقُه أحد أشكالِ التمييزِ والعنفِ من الاستخفافِ إلى الإسكاتِ والتحرّش. فكم بالأحرى إذا كانت النساء هنّ من يقُدْن هذه التحرّكات.

مسيرةُ طرابلس كانت مثالاً عن تلكَ القيادة، حيث سارت النساءُ في شوارعِ المدينة وهنّ يهتفنَ ضد الأبوية. لقد شاركتُ في عشراتِ التظاهراتِ والمسيراتِ النسوية في السنوات العشرِ الماضية، لكنني في طرابلس شعرتُ أنني أختبرُ من جديد تلكَ المواجهة التي تحصلُ عندما ترفعُ النساءُ أصواتهنّ ويسترجعنَ مكانتهنّ.

صبيةٌ في أوائلِ العشرينات أو أقل تستلمُ الميغافون في الخلف وحولها رجالٌ يغلبُ الضياعُ على وجوههم فيحاولون طوراً إسكاتَها بحجةِ الإستراحةِ من الهتاف، وتارةً يطلبون منها أن تمشيَ بخطى أسرع. وكان واضحاً أن هؤلاء الشبان كانوا يتصارعون مع فكرةِ خسارتِهم لبعضٍ من سلطتهم فحاولوا إيجادَ دورٍ ما لهم في القيادة.

هناك من كان يمشي باسطاً ذراعَه على أكتافِ صديقتِه وهي منهمكةٌ بتنسيقِ الهتافاتِ مع زميلتِها تبتعدُ عنه فيلحقُ بها. كنا قد مشينا حوالي ربعَ ساعة عندما أتت نساءٌ عند الصبيةِ التي تقودُ الهتافَ ليطلبنَ منها أن تعتمدَ الهتافاتِ "التي تعوّدنا عليها في الثورة" لأن "هذه الهتافات لا نعرفها"، وعندما قلنا لهنّ إن المسيرةَ نسويةٌ وكذلك الشعارات والهتافات، أعلنّ عن نواياهن الحقيقية وقلن: "يسيرُ معنا رجالٌ وهم الآن يشعرون بالخجل".

أتفهّمُ هذا الموقفَ عندهن، فنحن نتربّى على احترامِ الرجلِ ومشاعره ومكانته فوق كل شيء، ومسيرةٌ كهذه تضعُ نفسها بمواجهة كل هذا. لكن الهتافاتِ النسوية بقيت تصدحُ في شوارع طرابلس، إلى أن قررَ رجل، يدّعي أنه يسيرُ دعماً لأمه وأخته، أن يغنّي أغنيةً وطنيةً عبر ميغافون كبير. أعطته النساء بعضاً من المساحةِ ثم حاولن الرجوعَ إلى هتافاتهن، فثار غضبُه ومشى صوبنا ليؤنّبَ ويهدّدَ الصبية التي تجرّأت أن تهتفَ قبل أن ينتهي هو من أدائه الموسيقي. وهنا تجمّعت النساءُ ليدعمنَ بعضهنّ بعضاً ضد هجوم الذكورة الهشّة ولم يحرّك ساكناً أي من هؤلاء الذين يحيطوننا منذ بدايةِ المسيرة، بل أتى بعضُهم ليدافع عنه.

أكملنا مسيرتَنا ونحن نشتكي لبعضنا البعض، وردّدت لي الصبيةُ التي كانت في الواجهة: "قلت له أن هذه المسيرةَ نسويّة..."، وإحدى المنظمات أكّدت "نحن اتفقنا أن الميغافونات تحملها نساءٌ فقط"، وأتت امرأة أخرى لتخبرني عن تجاربِها وتجاربِ صديقاتها في الطلاقِ والحضانة طالبةً منّا أن نهتفَ ضد القضاة والمحاكمِ الشرعية.

تقول أودري لورد: "لا أملكُ رفاهيةَ محاربةِ شكلٍ واحد من أشكال القمع... كما أنه ليسَ بمقدوري أن أختارَ المحاربةَ على واحدةٍ من الجبهاتِ حيث تظهرُ قوى التمييز لتدمّرني. فعندما تظهرُ هذه القوى لتدميري، عاجلاً أم آجلاً، ستظهرُ لتدميرك أيضاً".

أنا، والكثيرات من النساء اليوم، نرفضُ أن نحاربَ على جبهةٍ واحدةٍ أو أن يكونَ التغييرُ بوجهٍ واحد. فصراعُنا كان وسيكون دائماً صراعاً ضد كل أشكال القمع والاستغلال.