وثيقة:هل سنجد يومًا حريةً وأمانًا في المساحات العامة؟

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

شعار مجلة شباك.png
مقالة رأي
تأليف زعبوبة
تحرير غير معيّن
المصدر مجلة شباك
اللغة العربية
تاريخ النشر 2018-07
مسار الاسترجاع https://www.shubbakmag.com/articles/39
تاريخ الاسترجاع 2018-27-10


نُشرت هذه المقالة في العدد 2 من مجلة شباك



قد توجد وثائق أخرى مصدرها مجلة شباك



البارحة، حدث ما كنت أتوقّع حدوثه من فترةٍ ليست بقريبة، أرتادُ مقهىً في وسط البلد أنا وأصدقائي بشكلٍ يوميّ، ويتّسم هذا المقهى بأنه ودّيٌّ ومرحِّبٌ بنا بالرغم من مظهرنا وأسلوب كلامنا الذي قد يبدو مثيراً للرّيبةِ للبعض ويتّسم طاقم العمل بالودِّ والتّرحاب، ولكن أمس وأثناء مغادرتي أنا ومجموعتي من المقهى، لاحظنا مجموعةً من الشباب تشير إلينا بالإصبع وتضحك بتهكُّمٍ قائلين "خولات" ، "شفتوا خولات إزاي"، وكان رد فعلي هو المرور بسلامٍ كأني لم أسمع وكأن هذه الإهانات لم تكن موجَّهةً لنا متجاهلاً الأمر برُمَّته، ولكن عندما عدّتُ إلى منزلي تحدّثتُ مع بعضٍ من أصدقائي ممن كانوا معي في هذا الموقف وأكّدوا لي أنهم أيضاً سمعوا هذه الألفاظ الموجَّهة ضدّنا.

شعرتُ بألمٍ داخليٍّ وعدم أمانٍ لأنّه حتى المكان الذي ظننتُ أنه آمنٌ، أصبح الآن يبعث القلق داخلنا، فقد يتبعنا هؤلاء الشباب الذين يتّسمون بإفراط التوستسترون ويهاجموننا ويلحق الأمر عواقبَ أسوأ، لم نجد قراراً أفضلَ من أن نتجنّب الذهاب هناك مرةً أخرى وذلك حرصاً منّا على سلامتِنا وأمننا.

ولكن ذلك أسهمَ في زيادة شعوري بالقلق وعدم الأمان في هذه البلد، فأنا أعاني منذ الطفولةِ من تصرُّفات الأولاد التي تتسم بنقصٍ وإفراطٍ زائفٍ في الممارسات الذكوريّة لكي يبدوا كرجالٍ، تصرُّفاتٌ وصلت في عددٍ من المرّات إلى حدّ البلطجة، ليس ضدي فقط ولكن ضدّ غيري ممّن أعرفُهم أو لا أعرفُهم في المدرسة، وبطبيعةِ الحال في الشارع.

لازلتُ أعاني من مشهدٍ رأيته بعيني منذ 8 سنوات في ميدان التحرير، عندما رأيتُ مجموعةً من البلطجية يضربون شاباً مثليّاً تحت سن ال21 وعدم تدخُّل الشرطة السرّية التي كانت في موقع الحادث، وكيف تمت إهانة الشاب بألفاظٍ مثل "خول" و"شاذ" ووقوف المخبرين بشكلٍ ضمنيٍّ مع المهاجمين ولولا تدخُّل أصدقائي والذهاب مع الشابّ الضحيّة إلى القسم لتمَّ احتجازُه وتعرُّضه للمزيد من الانتهاكات.

ناهيك عن الانتهاكات الأخرى المعروفة والتي تحدث في حالة القبض على شبابٍ مثليٍّ أو أشخاصٍ عابرين جنسياً من انتهاكٍ لحرمة أجسادهم وضربٍ وتعنيفٍ وسرقةٍ بالإكراه، والتي تحدث لبعض الحالات عندما تُنصب لهم الكمائن من بعض مستخدمي التطبيقات الزاعمين أنهم مثليين.

فلسوء الحظّ أصبح بعض أفراد المجتمع على درايةٍ بالتطبيقات التي يستخدمها مجتمع الم.م.م.م وعلى بعض مفردات اللغة الخاصة التي يستخدمها الشباب المثلي، وقد يسمعنا البعض ويكشف هويّتنا مما يعرضنا لمخاطرَ معروفةٍ، فوسائل الإعلام والصُّحف الخاصة مارست دوراً مشبوهاً في الفترة الأخيرة من التحريض على والإعلان عن مفردات اللغة وأسماء التطبيقات على وسائل التواصل الاجتماعيّ.

رسّخَ الإعلام المصريُّ صورةً ذهنيةً نمطيةً خاطئةً عن المثليّين وعابري الجنس، صوّرهم على أنهم أشخاصُ شهوانيُّون شبقيّون يعبدون المال وممارسة الدعارة ويمارسون الفُجور لنشر الرذيلة وفيروس نقص المناعة البشري! وشيطنهم لدرجةٍ جعلت العامة تسخط وتحرّض عليهم. ولاحظتُ ذلك بنفسي من خلال استماعي لأحاديث بعض الشباب في مترو الأنفاق بعد قضية حفل مشروع ليلى، وكيف كانوا يحرّضون ضدّ ما وصفوهم ب" الشواذ".

هذا يسلّط الضوء مرةً أخرى على الاضطهاد الذي نعانيه نحن أفراد مجتمع الم.م.م.م، وهذا ليس بنفس فداحةِ الأمر بالنسبة للفتيات وعابري الجندر أو الجنس، فنحن كشبابٍ مثليٍّ بالرغم من اضطهادنا من الجميع وعُرضتِنا للخطر الدائم لازالنا وِفقاً للمجتمع بمعاييرِه الذكوريّة نمتازُ بإحدى المميّزات وهي أننا ذكورٌ، لذا من يستطيع منّا تزييف تصرُّفاتٍ رجوليّةٍ قد ينجو من الاستهدافِ، أما من يتَّسم منّا بتصرُّفاتٍ وسلوكيّاتٍ يراها عامّة المجتمع على أنها أنثويَّةٌ فيكون ضحيّةً وفريسةً لكل شخصٍ يعاني من النقص وإفراط الذُّكورة ولا ينجو من العنف اللفظيِّ أو البدنيّ، أما للفتياتِ فالأمر أسوأُ كثيراً، خاصةً المثليّاتِ منهنّ، حيث يعِشْن تحت ضغوط الشارع اليوميّة ويتعرَّضنَ للتّحرّش اللفظيّ أو الجسديّ بشكلٍ دائمٍ، ويسمعْنَ ألفاظاً مثل "دا دكر ولا نتاية" وغيرها.

فالبنات في مجتمعنا حتى المغايرات سواءً كنَّ محجَّابٍ أم متبرّجات (مع تحفظي على هذا اللفظ ولكنّه الوصف الشائع) يعانين من التحرش بجميع أنواعه بشكل أصبح معتاداً، بالإضافة إلى النظرات المحدّقة من الجميع والتي تمتلئُ بالأحكام المسبقة وعدم احترام حرية الأفراد في التَّواجدِ في الشوارع والمساحات العامّة في سلامٍ وحرية، فنحن أصبحنا بلا خصوصية ويتمّ انتهاك خصوصيتنا وحرمة أجسادنا يومياً في المساحات العامة والخاصة أحياناً.

أذكر مؤخّراً عندما كنت في مقهىً شهيرٍ في وسط البلد، يمتاز زبائنه بالاختلاف والتحرّر نوعاً ما مقارنةً ببقيةِ الأماكن، أني رأيت فتاةً مظهرها محيِّرٌ للعامّة التقليديّين، فهي لا تبدو بالمظهر التقليديّ المزعومِ للنساء، ووجدّتُها في حالة هياجٍ شديدٍ حيث اندفعت من خارج دورة المياه قائلة "أيوة أنا خول" ومرت على مرتادي المقهى قائلةً "أنا خول"، لأنها عند مرورها في طريقها للحمام سمعت أحدهم يقول "خول" متسائلاً عن جنسها ما إذا كان ذكراً أم أنثى، وذلك لأن هيئتها وملابسَها بدت لهم كأنها شابٌّ مثليٌّ وفقاً لتحليلهم.

هنالك الكثير من صديقاتي اللواتي شكَونَ لي من سماعهنَّ صيحاتٍ من شبابٍ قائلين لهنّ الجملة الكريهة الشهيرة "يا واد يا بت" لمجرد أن تسريحة شعرهنّ قصيرة أو أنهنَّ فتياتٍ ترتدين قمصان يزعمون أنها للرجال فقط.

كثيرٌ منا لديه تاريخٌ طويلٌ وقصصٌ مع البلطجة، الكثير منا لازال يعاني من تبعيّاتها النفسية حتى اليوم، وأثّرت هذه التجارب فينا بشكلٍ سبّب أذىً دائماً يؤدي إلى اضطراب علاقاتنا اجتماعياً ويجعلنا نشعر ببارانويا دائمة وتخوّفٍ من التجوّل في الشارع أو ركوب المواصلات العامّة وننظر خلفنا كأننا ملاحقون من أشخاصٍ ما يرغبون في استهدافنا في أيّةِ لحظةٍ.

نحتاج إلى إحداث توازنٍ ما بين الظهور بالشكل المناسب لنا الذي نرغبه وفي نفس الوقت حماية أنفسنا من خلال التحلّي بالحكمة والصبر واختيار الأماكن المناسبة لنا التي نجدها ومن خلال تجاربنا بأنها ترحب بأفراد الم.م.م.م، ومثلما نحتاج للحذر خلال استخدامنا لتطبيقات المواعدة، نحتاج أيضاً أن نتّخذ احتياطاتٍ أثناء ممارستنا حياتنا الاجتماعية، مثل عدم استخدام ضمائرَ مؤنّثة مع الذُّكور بصوتٍ عالٍ في مكانٍ عام أو العكس وذلك برغم اعتراضي على هذا المبدأ كشخصٍ يؤمن بالحرية ولا يجد غضاضةً في أن يتحدث له رفاقه باستخدام الضمير المؤنّث، لكنّنا قد نضطر لذلك لنحافظ على سلامتنا الجسدية والنفسية، يجب أن نفكّر جدّياً في طريقة المشي والملبس، وإذا رغبنا في ارتداء ما يحلو لنا والتصرف بسلوكٍ يتّسم بالمرونة الجندرية فينبغي القيام بذلك في مساحاتٍ خاصةٍ آمنةٍ.

كل ذلك يتطلب منا المزيد من الجهود والتعاون مع حلفاءٍ ومنظماتٍ ومجموعاتٍ داعمةٍ ومناصرةٍ لنا ومع أفراد مغايرين جنسياً يؤمنون بالحرِّيات الشخصية والجنسية والفرديةِ ومنظماتٍ حقوقيةٍ ومحامين للضغط والمناصرة ورفع الوعي وتحقيق أي مكسبٍ في مجال الحقوق والحريات والأهم من ذلك وحدة جميع أفراد الم.م.م.م.