وثيقة:أن ينتصر أعداؤنا ونعتقده انتصارنا الشخصي

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

Circle-icons-document.svg
مقالة رأي
تأليف سلمى صفا
تحرير غير معيّن
المصدر حساب عايدة سيف الدولة على فيسبوك
اللغة العربية
تاريخ النشر 2018-02-28
مسار الاسترجاع https://www.facebook.com/aidaseif/posts/10160538936545497
تاريخ الاسترجاع 2018-07-31
نسخة أرشيفية http://archive.is/k8IvL


سلمى الصفا هو اسم مستعار لناشطة نسوية ونشر هذا المقال تعليقًا عن قضية إيميل التحرش وما تبعها.



قد توجد وثائق أخرى مصدرها حساب عايدة سيف الدولة على فيسبوك


حاصرني توتري لمدة أربعة أشهر. منذ قرأت رسالة إلكترونية أرسلتها ناجية من العنف، طُرح في رأسي الكثير من التساؤلات. أردت أن أشارك مشاعري وأفكاري مع الآخرين، لكنّي حوصرت بالشعور بعدم الأمان. قرأت المزيد من الآراء وعرفت عن خطوات تتخذها الجهات المرتبطة بالحادثة.

ومع احتدام المعركة، بدأت الأفكار تزداد وتتزاحم وشعوري بأنني حبيسة رأسي يزداد أيضا. لا أستطيع مشاركة اعتراضاتي على تصرف كل الأطراف خوفًا من التعرض لضغط يؤدي بي إلى الانتكاس، فلقد شخصتني طبيبتي النفسية بأنني مريضة اكتئاب، وهو ما كنت أظن أنني شديدة البعد عنه، ولكنه الآن بات أكيداً.

بدأت ألوم نفسي ومرضي الذي جعلني خائفة وعاجزة. هو قال لي أني لست قادرة على تحمل أي نوع من الضغوط هذه الأيام.

بدأت أشارك مشاعري مع أصدقائي المقربين، وأعلنت عن رغبتي في الحديث عن ما يدور، ولكن قالت لي صديقة «دي مش معركتنا». صمت ولم أجب حينها. ولكني جلست أفكر في كم الرجال الذين يتحدثون بملء أفواههم وبمنتهى الحرية وكأن الموضوع يخصهم بشكل شخصي، أتحدث هنا عن الرجال المنخرطين في الحدث من جميع الأطراف.

نظرتُ لي ولهم. فأنا كامرأة، وكنسوية، أخشى المشاركة. بينما هم، الذكور، لديهم الحق في التنظير والتنظير المضاد. في التعديل والنصح على الناجية وحالتها النفسية. وعلى الإجراءات الواجب اتخاذها، لنكون نحن -النساء - في حماية.

هل ما منعني حقاً عن المشاركة هو مرضي؟ هل كان الأسهل لي والأكثر وضوحًا هو لوم نفسي بدلًا عن لوم الطريقة التي تمت إدارة الحدث بها؟ هل حِدتُ فعلاً عن أفكاري النسوية ووقفت عند حدود الجُبن والتقصير؟ أم أنني مجرد إنسانة قابلة للتردد ولمراجعة أفكاري ولإعادة النظر في كل ما كنت اعتقده بديهي؟ مَن مِن الأساس له الحق في تحديد أساليب إدارة موقف مثل هذا؟ بل ومن يمتلك الحق في تقييمي وتقييم نسويتي؟ وقبل هذا كله، هل نسويتي تنتظر إقرار أخريات بأنها نسوية حقّة؟

في نوفمبر الماضي، أطلعتني زميلة على رسالة الناجية. وكانت الزميلة على اتصال مباشر بالناجية. ونقلت لي عنها أنها قد تبدلت رغبتها وطالبت بوقف تدوير الرسالة، وهي كانت مرسلة من الأساس باعتبارها تحذير للنساء الفاعلات في المجال العام ليأخذن حذرهن عند التعامل مع بعض الأشخاص.

لا أعلم الآن إن كانت قد تبدلت رغبتها للمرة الثانية، وطالبت باستكمال تدويرها لاحقاً أم لا، ولا ألومها على أي من الاختيارات. ولكن أول ما أثار استيائي هو عدم التأكد من رغبة الناجية فيما يُفعل بقصتها وألمها، فهل كانت تلك هي رغبتها من الأساس، أن يتحول كلامها وتفاصيل حياتها الشخصية لـ«قضية رأى عام»؟ هل اهتم أحد بالتأكد من ذلك قبل الشروع في أي شيء؟

كيف كان الضغط الذي عانته بسبب نشر كلامها في دوائر أوسع من تلك التي اختارتها هي بنفسها؟ كيف كان الضغط عليها أيضا في الإلحاح على مشاركتها في التحقيق المستهدف إجراؤه؟ وهل من الممكن أن يكون التحقيق هو ملاذها الأول لو كانت تشعر أنه سينصفها؟ وما هو الإنصاف الذي أرادته أصلاً؟ وهل أنا أريد إنصافها حتى لو تضمن ذلك ظلم لآخر؟

كان هناك إصرار شديد في أغلب ما قرأت على استخدام لفظ «الضحية». وأغضبني ذلك جداً. ف"الضحية" يجعل مننا كائنات لا قوة لهن ولا إرادة ولا قدرة على التأثير في مجريات الأمور. يجعل منّا غير فاعلات تجاه ما يحدث في حياتنا اليومية. حتى وإن كانت بعض أفعالنا هي ردود أفعال تجاه ما نتعرض له. نحن لسنا ضحايا، نحن ناجيات. نجونا وننجو كل يوم. نحن قادرات على المقاومة، بل وعلى إلحاق الأذى أيضًا. كل واحدة منّا لديها طريقتها التي طورتها من خلال تجاربها الحياتية للنجاة والمقاومة. و كل واحدة منّا تمتلك الأهلية لتقرر مصير قصتها وما تريده منها. علينا كنسويات، أولًا، أن نحترم حق بعضنا وحق النساء الأخريات في الاختيار، علينا ألا نعيد إنتاج نفس أساليب الوصاية والأبوية في فرض الأمور. وألا نعرض الناجية لأي شكل من أشكال الضغط لأننا نرى تصرفاً معيناً هو الأصح أو الأنسب للحظة، أو أنه سيحقق لنا ولنضالنا مكسب، علينا ألا نورط الناجية باتخاذنا خطوات تجعل اختياراتها محصورة بين القبول والرفض فقط، كأن تتشكل لجنة تحقيق وتصبح الناجية مخيرة بين المشاركة أو الانسحاب، أو نبدأ في النشر إلكترونيا دون رغبتها وفي دوائر لم تخترها، وتصبح هي بين الموافقة على ما ينشر و رفضه أو بين تأكيده و نفيه.

تابعت مختلف الآراء المتعلقة بكلام الرسالة، وشعرتُ باستياء شديد لتعامل الكثيرات والكثيرين مع ما ارتكبه خالد علي وكأنه مساوٍ لما ارتكبه محمود بلال، بل وفي أحيان كثيرة كان التعامل مع خالد علي وكأنه مرتكب الجُرم الأكبر. لم يكن لدي حينها، وحتى الآن، إلا تفسير واحد وهو أن ألم الناجية يُستخدم لتصفية حسابات بين مجموعة من الرجال يتمتعون جميعهم بامتيازات بسبب نوعهم على أقل تقدير. وهنا لا أقصد فقط تصفية الحسابات السياسية بل والشخصية أيضا، أو ربما هم يحاولون أن يتطهروا من تاريخهم الذي بالتأكيد لم يخلو من الأفعال الذكورية والأبوية، ليثبتوا موقف على حساب القصة.

شاهدت بعيني كيف يمكن لمعاناتنا وألمنا أن يتحولا إلى أداة لمجموعة من المتصارعين، تجعلهم الحماية الملحقة ب امتيازاتهم غير معرضين لما نتعرض له نحن بشكل يومي من اعتداء وعنف، لكوننا نساء على أقل تقدير. الأكثر إزعاجا هو انجرار بعض النسويات لهذا، سواء بوعي أو بدون وعي منهن.

دائماً ما هُمشت قضايانا، وتم تأجيل مطالبنا وحروبنا حفاظاً على الأولويات التي ترتئيها الأغلبية، كثيراً ما تم إسكاتنا أو تجاهلنا عمداً حتى يعلو صوت تلك الأغلبية أو للمحافظة على صورة ومظهر الكيان أو الوسط الذي ننتمي له. تتم التضحية بنا حتى يعيش الآخرون. كم مرة شعرنا بذلك؟

نسويتي علمتني ألا أعيد نفس المنهجية التي أكرهها أثناء مقاومتي. نسويتي علمتني أن «أدوات السيد لن تَهدم منزله»، ومنهجيات النظام لن تنصرنا، حتى وإن أعطتنا شعور زائف بالانتصار المؤقت

وهنا وجب علىَّ أن أتساءل: هل علينا –نحن بدورنا- أن نضحي بشخص ونحمله هو وفعله أكثر مما يحتمل حتى نشعر بالنصر أو بالنجاح في فرض قضايانا على العاملين في المجال العام؟

أتساءل أيضًا عن معنى العدالة. فما العدالة في أن يُحاسب الكل على اختلاف درجات أخطائهم بنفس الطريقة؟ وما الهدف من الحساب والعقاب من الأساس؟ هل نهدف للانتقام؟ وهل الانتقام من كل ما عانته نساء فاعلات بالمجال العام من رجال مختلفين وعلى مر سنين طويلة قد تحقق باعتزال خالد علي من العمل العام؟ ما الذي ربحته أنا كنسوية وكامرأة من الانتقام؟

بالنسبة لي الهدف الأساسي من العقاب هو أن يعي الشخص المخطئ ما اقترفه من خطأ، وما ترتب عليه من أذى، وأن يتحمل مسؤولية فعله بالخضوع للعقوبة التي يُلزم بها، ويمكن لتلك العقوبة أن تبدأ بالاعتذار العلني مرورًا بالوقف عن العمل أو تجميد نشاطه السياسي، وصولاً للوصم والعزل التام، وبين كل ذلك يمكننا أن نجد تدرجا آخر للعقوبة يتناسب مع حجم الفعل وأيضًا مع رد فعل المدعي في حقه. بمعنى أنه لابد أن نفرق في التعامل ما بين الشخص الذي قد يقبل الاتهام ويحاول أن يفهم وجه خطئه ويقدم نقداً ذاتياً لسلوكه، مع العلم أن اعترافه ومراجعته لن يعفياه من العقاب ولكن يجب علينا أخذهما بعين الاعتبار، وبين شخص آخر يرفض حتى اللحظة الأخيرة الاعتراف بأنه ارتكب انتهاكاً ما.

لا أرفض استخدام آلية الوصم الاجتماعي في المطلق، ولكنني أتساءل أين سيذهب بنا الوصم في خلال عام من الآن؟ فعندما نوصم كل من قام بفعل فيه أي درجة من درجات الاعتداء فإننا سنوصم الجميع بالضرورة، وهنا لن يبقى الوصم وصمًا، وستضمحل قوته مع الوقت وسوء الاستخدام، فنصبح نحن من نضعف سلاحنا الوحيد الذي نمتلكه، بدلاً من البحث عن أسلحة أخرى.

وبالرغم من المشاكل والاعتراضات التي شابت عملية التحقيق، إلا أنني لا أزال آمل في قدرتنا على تطوير تلك الآلية بما يضمن حقوق الناجيات، فيمكننا البدء في التفكير في الضمانات التي يمكننا طرحها لتحسين تجاربنا القادمة. لا يزال بإمكاننا وضع ضوابط للجان التحقيق القادمة. كأن تتكون جميعها من النساء وضمنهن طبيبة نفسية، باشتراط رضا الناجية على جميع عضوات اللجنة، أو أن تختار الناجية والمدعى عليه فردين ينضموا لعضوية اللجنة.

يمكننا أيضاً الاحتفاظ بمجهولية عضوات اللجنة لحين الانتهاء من التحقيق، لتلافي تعرضهن لأي ضغط من شأنه التأثير على مجرى ونتيجة التحقيق، ولكن على اللجنة أن تعلن عن أسماء عضواتها بعد الانتهاء من التحقيق، لنتمكن من محاسبتهن. هذه مجرد أفكار خطرت لي عند التفكير في التجربة السابقة وكل ما شابها من مشكلات. ليت كان الأمر فرصة جيدة لفتح نقاش حول هذه الضوابط وإمكانية تطويرها..

الآن بات ضروريًا التفكير في تطوير آليات التحقيق، أو حتى النقاش والوصول لآليات أخرى جديدة كلياً، خاصةً في ظل السياق السياسي الذي نعيشه. حزنت بسبب استخدام مؤسسات إعلامية أو أمنية أو غيرها لقصة الناجية كورقة ابتزاز. شعرتُ بالقهر من تحويل قصص الانتهاك لأداة من أدوات تضييق الدولة وأن يتم استخدام آلامنا من مؤسسات منحطة لا تهتم باغتصاب أو انتهاك، فنحن جميعًا، نساء ورجالًا، كروت بالنسبة لها .

أعلم أن استخدام الدولة ومؤسساتها لشكوانا ليست مسؤوليتنا، فالدولة لا تنتظر شكوى مقدمة من ناجية من العنف حتى تلفق الاتهامات وتروّج الأكاذيب وتغتال الفاعلين الأكثر تأثيراً في المجال العام معنوياً، ولكن هل هذا يعفينا تماماً من المسئولية؟ وهنا أنا أتحدث عن مسؤوليتنا في حماية الناجية من استخدام قصتها في غير موقعها، فماذا نستطيع أن نفعل في مثل تلك المواقف؟

أنا كنسوية ضد هذه الدولة، ضد قوانينها الرجعية و الأبوية، لا أثق في نظامها التشريعي أو القضائي أو التنفيذي، وهذا لا يتعارض بالنسبة لي مع إمكانية عمل حملات ضغط لتعديل قوانين موجودة بالفعل أو سن قوانين جديدة معنية بحالات الاعتداءات الجنسية على مختلف درجاتها. ولكن هذا يبدو هدفًا بعيد المدى، ولذلك أرى أنه من الضروري والعاجل الآن أن نبدأ نقاشات في مجموعات أو حتى عبر الانترنت للتوصل لآلية يمكننا الاعتماد عليها، ولا تمكن الدولة من قصص ألمنا أو من استخدامها ككروت ضغط، وأن تكون تلك الآلية منصفة لنا كنساء. هذا هو التحدي الأكبر، وهذه هي إشكاليات المرحلة كما أراها.

بالرغم من «الانتصار» الذي يُلوّح به منذ تقديم خالد علي استقالته من الحزب، إلا أنني لا أشعر إلا بالخسارة، فهل مشروع خالد علي السياسي وحزب العيش والحرية هم أعداؤنا في تلك المعركة؟ هل انتهائهما يُعد انتصارا لنا؟ هل قضايانا كنساء غير مرتبطة بشكل مباشر بالكيانات السياسية «التقدمية» والمساحات التي تستطيع أن تنتزعها تلك الكيانات في المجال العام؟ هل يعنى فرض قضايانا على تلك الكيانات والمشاريع هدمها بالضرورة؟ ما الحد الفاصل بين معركة تنتصر وتستطيع أن تدفع حلفائها في اتجاه أكثر تقدمية ومعركة أخرى تهدم مساحات حلفائها؟

تلك التساؤلات لا تنفي المسئولية الواقعة على عاتق حزب العيش والحرية في سوء إدارة الأزمة، وفي الإحباط الذي سببه لي خاصةً بعد البيان الصادر منه بعد انتهاء التحقيق.

يغيم عليَّ الإحباط والاستياء، أشعر بالخسارة والهزيمة بعد تلك المعركة المهلكة، لا أقوى على المواجهة بشكل مباشر ولكنني حاولت هنا أن أحرر نفسي وأُخرج بعض من أفكاري وتساؤلاتي للعلن حتى لا أستسلم لكوني حبيسة رأسي، ولكنني اخترت أن أبقي هويتي مُجهلة لأنني لا أعلم ما قد يكون رد الفعل على تلك الأفكار والتساؤلات.

وبالرغم من كل ذلك، فأنا ممتنة لمعركة أثارت في رأسي تشكيك في الكثير من الثوابت لديَّ، ممتنة للأسئلة والحيرة والتردد، ممتنة لتطور إدراكي بأن الحياة ليست بتلك السلاسة، وأنه من السهل أن نعلن مواقف مبدئية وندافع عنها، ولكن علينا أيضاً أن نفكر كثيراً في كيفية تطبيق تلك المواقف المبدئية على الواقع شديد التعقيد، فليس من الضروري أن تكون كل الإجابات جاهزة، ولا من الضروري أن تكون ردود أفعالنا على مستوى الحدث دائماً، فالحياة تختبرنا وتختبر مبادئنا، ورد الفعل السريع والعنيف ليس بالضرورة نجاحًا في الاختبار.