وثيقة:بيان السايبورغ: العلوم، والتكنولوجيا، والاشتراكية النسوية في أواخر القرن العشرين

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

Circle-icons-document.svg
مقالة رأي
تأليف دونا هاراوي
تحرير غير معيّن
المصدر أنتلجنسيا
اللغة العربية
تاريخ النشر 2016-10-09
مسار الاسترجاع https://www.intelligentsia.tn/دونا-هاراوي-تكتب-بيان-السايبورغ-العلو/
تاريخ الاسترجاع 2019-05-07
نسخة أرشيفية https://archive.fo/uHfkR
ترجمة أماني أبو رحمة
لغة الأصل الإنجليزية
العنوان الأصلي A Cyborg Manifesto: Science, Technology, and Socialist-Feminism in the Late Twentieth Century
تاريخ نشر الأصل 1984


هذا النص هو الترجمة العربية لممقتطفات من مقالة دونا هاراوي الطويلة المعنونة بيان السايبورج ص.5 - ص.37، يوجد نسخة من المقالة كاملة بلغتها الأصلية على warwick.ac.uk



قد توجد وثائق أخرى مصدرها أنتلجنسيا


السايبرورغ هو كائن سايبرنيتيكي(معرفي), هجين من الآلة والكائن الحي، مخلوق من الواقع الاجتماعي ومن الخيال أيضًا. فالواقع الاجتماعي هو العلاقات الاجتماعية المعاشة, وهياكلنا السياسية الأكثر أهمية, كما أنه خيال العالم المتغير. هيكلت الحركات النسوية الكونية الخبرة النسوية، فضلا عن أنها كشفت أو ربما اكتشفت هذا الكائن الجمعي العصيب. كانت هذه الخبرة مزيجًا من الحقيقة والخيال من ذلك النوع الأكثر سياسية وتحديدا. فالتحرر يتكئ على تركيب الوعي, وعلى الإدراك الخيالي للاضطهاد والقهر وعلى الإمكانية أيضا.

والسايبورغ هو قضية تخييل وخبرة معاشة غيرت ما يعرف بالخبرة النسوية في نهايات القرن العشرين. إنه صراع مع الموت والحياة، ولكن الحدود بين الخيال العلمي والواقع الاجتماعي لا تعدو كونها وهما بصريا. يحفل الخيال العلمي بمخلوقات سايبورغية: آلة وحيوان في الوقت ذاته, تحتل عوالم طبيعية أو مركبة بحرفية اصطناعية ولكنها غامضة في كلتا الحالتين. ويحفل الطب الحديث بالسايبورغ، والمزاوجة بين الكائن الحي والآلة ـ حيث يُدرك كلا منهما بوصفه أداة مرمزة ـ حميمية وذات سلطة لم تتولد قط في تاريخ النشاط الجنسي.

يستعيد الجنس السايبورغي النشاطات التكاثرية للسرخس واللافقاريات(تلك الوقاية اللطيفة من التغايرية الجنسوية heterosexism). فالتكاثر السايبورغي مفصول تماما عن التكاثر العضوي. ويبدو الإنتاج الحديث مثل حلم بالاستيطان السايبورغي، حلم يجعل كابوس تايلور يبدو أنشودة رعوية بالمقارنة. والحرب الحديثة لن تكون سوى عربدة سايبورغية يشفرها الاختصارC3I, وهو الحروف الأولى من مصفوفة: الأوامر ـ السيطرة ـ الاتصالات ـ والاستخبارات, Command- control- communication- intelligence، التي يختصرها بند الثمانية والأربعين بليون دولار من موازنة الدفاع الأمريكية لعام 1984. وهنا فإنني أناقش السايبورغ بوصفه خيالا يضع خريطة واقعنا الاجتماعي والجسدي، وبوصفه موردا خياليا، فإنه قد يقترح بعض الاقترانات المثمرة جدا.

شكلت السياسات الحيوية biopolitics لميشيل فوكو والتي يمكن أن تعد تحذيرا استباقيا رخوا ومتهاونا بشأن السياسات السايبورغية، مجالا مفتوحا جدا يرهص بما بعده. ذلك إننا أضحينا مع نهايات القرن العشرين ـ زمننا الحالي، الزمن الخرافي ـ مهجنات نظرية ملفقة وهمية وخرافية ناتجة عن اقتران الآلة والكائن الحي. وباختصار لقد أصبحنا سايبورغ. وأصبح هذا السايبورغ هو الانطولوجيا الخاصة بنا التي تمنحنا سياساتنا.

يمثل السايبورغ أيضا الصورة المكثفة عن التخيل والعالم المادي معا. فالمركزين المتحدين يهيكلان أي احتمالية للتحول التاريخي. وفي تقاليد العلم والسياسات الغربيةـ تقاليد الرأسمالية العريقة الذكورية الهيمنة ; تقاليد التقدم ; تقاليد استغلال الطبيعة بوصفها موردا لإنتاج الثقافات ; وتقاليد إنتاج الذات من انعكاسية الأخر ـ فإن العلاقة بين الكائن الحي والآلة كانت حربا على الحدود. أما أوتاد هذه الحرب فقد كانت تخوم الإنتاج وإعادة الإنتاج والتخييل. ويهدف هذا الفصل إلى إظهار الابتهاج بتداخل الحدودوتحمل المسئولية عن هيكلتها وتركيبها. وهو أيضا محاولة للمساهمة في الثقافة النسوية الاجتماعية والنظرية في الصيغة اللا طبيعية non-naturalist ما بعد الحداثية. وفي التقاليد اليوتوبية التي تتخيل العالم دون تميز على أساس النوع الاجتماعي (بدون جندر)، بمعنى انه ربما يكون عالما بدون أصل أو نشوء، ولكنه أيضا عالم بلا نهاية. فتجسيد السايبورغ هو خارج تاريخ الخلاص من الخطيئة. كما أنه لا يحدد زمنا على التقويم الأوديبي، محاولا أن يرأب الصدوع المروعة بين الجندر في الرؤية النبوئية ما بعد الأُوديبية أو في اليوتوبيا التكافلية الشفاهية. وكما تقول زي سوفويولز Zoe Sofoulis في مخطوطة غير منشورة عن لاكان، وميلين كلاين، والثقافة النووية، ولاكلاين، إن الوحوش الأكثر رعبا والتي ينتظرها مستقبلا مرموقا في عوالم السايبورغ تتجسد في السرديات غير الأُوديبية التي تحتوي منطقا مختلفا من القهر والاضطهاد والتي نحتاج إلى فهمها وإدراكها من أجل البقاء.

السايبورغ هو مخلوق في عالم ما بعد الجندر، ولا علاقة له بالازدواجية الجنسية أو التعايش ما قبل الأوديبي، إنه يد عاملة غير مغتربة، ولا علاقة له أيضًا بالإغراءات الأخرى التي تحفز على الكمال العضوي من خلال الاعتماد النهائي على كل قوى الأجزاء لصالح وحدة أعلى.

وبمعنى آخر، فإن السايبورغ لا يمتلك قصة نشأة في الإدراك الغربي ـ الأمر الذي قد يعد مفارقة حاسمة لأن السايبورغ هو أيضا نهاية رؤيوية مروعة للهيمنات المتصاعدة في ‘الغرب’، وللفردية المجردة، وللذات النهائية المتحررة من كل التبعيات، وللإنسان في الفضاء.

تعتمد قصة الأصل في الإدراك الإنساني “الغربي” على أسطورة الوحدة الأصلية، والامتلاء، والنعيم والإرهاب، ممثلة بالأم القضيبية التي انفصل عنها جميع البشر، وبمهمات التنمية الفردية والتاريخ، وبالأساطير التوأمية القوية المغروسة بقوة في التحليل النفسي والماركسية. وتقول هيلاري كلاين: إن كلا من الماركسية والتحليل النفسي، في مفاهيمها عن العمل والفردية والتشكيل الجنسوي أو الجندري، يعتمدان على حبكة الوحدة الأصلية التي لا بد أن ينتج منها الاختلاف والتي انتشرت في دراما الهيمنة المتصاعدة للمرأة / الطبيعة. يتخطى السايبورغ خطوة الوحدة الأصلية، والتماهي مع الطبيعة بالمعنى الغربي. وهذا هو وعده غير الشرعي الذي قد يؤدي إلى تخريب غائيته مثل حرب النجوم.

ويلتزم السايبورغ بقوة بالتحيز، والمحاباة، والتهكم، والحميمية، والعناد. وهو معارض طوباوي يفتقد إلى البراءة. وبفضل أنه لم يعد مركبا من قطبية العام والخاص، فإن السايبورغ يعين بوضوح الاستطلاعات التكنولوجية التي تعتمد جزئيًا على الثورة في العلاقات الاجتماعية عند عتبة الأسرة oikos. يعيد السايبورغ صياغة العلاقة بين الطبيعة والثقافة ; فلن تكون إحداهما بعد اليوم موردا للتخصيص أو الدمج من قبل الأخرى. أما العلاقات التي تشكل الكل من الأجزاء، بما في ذلك الاستقطاب والهيمنة الهرمية، فإنها ستصبح موضع مساءلة في عالم السايبورغ. وخلافا لآمال وحش فرانكنشتاين، فإن السايبورغ لا يتوقع من الأب أن يحميه من خلال ترميم الحديقة، بمعنى، من خلال تلفيق رفيقة غيرية، ثم استكمالها في صورة كل مكتمل، هو المدينة والكون.

لا يحلم السايبورغ بمجتمع على غرار نموذج العائلة العضوية، وهذه المرة من دون المشروع الأُوديبي. ولن يتعرف السايبورغ على جنة عدن ; كما أنه ليس مخلوقا من الصلصال المسنون ولا يمكن أن يحلم بالعودة إلى التراب. ولهذا تحديدا فإنني ارغب في معرفة ما إذا كان بإمكان السايبورغ أن يفسد نهاية العالم الروؤيوية التي تتضمن العودة إلى التراب النووي في هوس قهري جنوني لتسمية العدو. والسايبورغات ليست موقرة أيضا لأنها لا تتذكر الكون ولا ترغب في إعادة الانتماء إليه. إنها تشعر بالقلق من الكلانية الشمولية ولكنها تحتاج للاتصال والتواصل إذ يبدو أن لديها ميلا طبيعيا لجبهة سياسية موحدة، ولكن دون حزب طليعي. والمشكلة الرئيسية مع السايبورغات، بطبيعة الحال، هي أنها وليدة غير شرعية للنزعة العسكرية والرأسمالية الأبوية، ناهيك عن الاشتراكية الدولية. ولكن الذرية غير الشرعية غالبا ما تكون غير مخلصة جدا لأصولها. ذلك أن آبائهم، بعد كل شيء، غير أساسيين.

ففي أواخر القرن العشرين وفي الثقافة العلمية الأمريكية، حدث صدع كبير في الحدود بين الإنسان والحيوان. وتلوثت معاقل التمايز بينهما، بل ويمكننا القول إنها قد تحولت إلى منتزهات ومدن ملاهي – توظيف أداة اللغة، والسلوك الاجتماعي، والأحداث العقلية، لاشيء على الإطلاق يؤيد الفصل بين الإنسان والحيوان بصورة مقنعة. ولم يعد كثير من الناس يشعرون بالحاجة إلى التميز أو الانفصال عن الحيوانات. وفي الواقع فإن فروعا عديدة من الثقافة النسوية قد أكدت ابتهاجها بالاتصال بين الإنسان والمخلوقات الأخرى.

وحركات المطالبة بحقوق الحيوان ليست مجرد نفي غير رشيد لتفرد الإنسان؛ بل هي اعتراف واضح ومتبصر بالاتصال عبر الصدوع المخزية التي فقدت مصداقيتها ـ بين الطبيعة والثقافة. وعلى مدى القرنين الماضيين أنتجت البيولوجيا ونظرية النشوء والارتقاء بالتزامن كائنات(أنظمة) حديثة بوصفها (أهداف المعرفة) واختزلت الخط الفاصل بين البشر والحيوانات إلى أثر خافت يعاد استدعائه في الصراعات الإيديولوجية أو النزاعات المهنية بين الحياة والعلوم الاجتماعية. وفي هذا الإطار، ينبغي أن نحارب علم الخلق المسيحي بوصفه شكلا من أشكال إساءة معاملة الأطفال.

وإن الحتمية البيولوجية هي مكان واحد مفتوح في الثقافة العلمية لمناقشة معاني الحيوانية الإنسانية. فهناك مجال كبير للسياسيين الراديكاليين لمعارضة معاني الحدود المتصدعة.

يظهر السايبورغ في الأسطورة على وجه التحديد حيث يتم تجاوز الحدود بين الإنسان والحيوان. وبعيدا عن تميز البشر عن سائر الكائنات الحية الأخرى، فإن السايبورغ يوعز باقتران وثيق. وبذلك تمتلك البهيمية حالة جديدة في هذه الدورة من تبادل الزواج.

أما التمايز الثاني فقد كان بين الإنسان والحيوان (الكائنات الحية) من جهة والآلة من جهة أخرى. فالآلات ما قبل السايبرنيتيكية كانت مسكونة بالأشباح، كان هناك دائما شبح في الآلة. وقد هيكلت هذه الثنائية الحوار بين المادية والمثالية الذي تمت تسويته عن طريق النتيجة الجدلية التي أطلق عليها الروح أو التاريخ حسب الميول والاتجاهات. ولكن لم تكن الآلات ذاتية الحركة ولا ذاتية التصميم أو مستقلة. ولم تتمكن من تحقيق حلم الإنسان، لقد قلدته فحسب. لم تكن بشرا أيضا أو مؤلفة لذاتها ولكنها كانت صورة كاريكاتورية عن الحلم التوالدي الذكوري.

وأي تفكير خلاف ذلك كان يعد نوعا من البارانويا. ولكننا الآن لسنا على ثقة. فآلات أواخر القرن العشرين جعلت الفروق بين الطبيعي والصناعي، والعقل والجسد، والتطور الذاتيووالتصميم الخارجي والكثير من التمايزات بين الإنسان والآلة غامضة بكل معاني الكلمة. إن آلاتنا اليوم حية بصورة تثير القلق، ونحن أنفسنا خاملون بشكل مخيف. والحتمية التكنولوجية ليست سوى مسافة إيديولوجية فُتحت من خلال مراجعة المفاهيم عن الآلة والكائن الحي بوصفها نصوصا مشفرة نتورط من خلالها في لعبة قراءة وكتابة العالم.

لقد لعن الماركسيون والنسويون الاجتماعيون سيقنة ما بعد البنيويين وما بعد الحداثيين لكل شيء بسبب تجاهلها (السيقنة) للعلاقات الحية للهيمنة التي تؤسس المسرح للقراءة التعسفية. ومن المؤكد أن الاستراتيجيات ما بعد الحداثية، مثل أسطورتي السايبورغية، قد أفسدت عدد لا يحصى من الكليات العضوية (على سبيل المثال، القصيدة، والثقافة البدائية، والكائن البيولوجي). وباختصار، فإن اليقين بما يعد طبيعة ـ مصدر المعرفة والخبرة ووعد البراءة. قد تم تقويضه، وربما بصورة قاتلة.

لقد فقد التفويض المتعالي للتفسير وفقدت معه الأرضية الانطولوجية للابستمولوجيا الغربية.

لكن البديل ليس السخرية أو الجحود، بمعنى نسخة من الوجود المجرد، مثل طروحات تحدد الحتمية التكنولوجية بوصفها ستحطم الإنسان بالآلة، أو ‘العمل السياسي ذي المغزى’ بالـ ‘نص’.والسؤال الجذري هو ما الذي سيكون عليه السايبورغ، والإجابات عليه هي مسألة حياة أو موت. فكل من الشمبانزي والمصنوعات اليدوية لها سياسة، فلماذا لا يكون لنا نحن أيضًا (دي وال، 1982؛ وينر، 1980)؟

الفرق الثالث هو مجموعة فرعية من الثاني: إن الحد الفاصل بين الفيزيائي وغير الفيزيائي غير دقيق بالنسبة لنا. فكتب البوب الفيزيائية التي تتحدث عن تبعات نظرية الكم ومبدأ عدم التعيين هي نوع من المكافئ العلمي الشعبي للرومانسيات المبهرجة، بوصفها علامة على تغيير جذري في المغايرة الجنسية heterosexuality البيضاء الأمريكية: إنهم يفهمونها خطأ، ولكنها في الموضوع الصحيح. ذلك أن الآلات الحديثة هي الأجهزة الالكترونية الدقيقة الجوهرية: فهي في كل مكان، ولكنها غير مرئية. الآلات الحديثة هي الرب المغرور غير الموقر، التي تقلد مكانة الآب وروحانيته بسخرية.

رقاقة السيلكون هي سطح للكتابة، إنها تُحفر على المستوى الجزيئي فقط بالضوضاء الذرية، وتمثل التدخل النهائي للسجلات النووية.

أما الكتابة، والطاقة، والتكنولوجيا فهم شركاء القصص الغربية القدماء عن أصل المدنيّةوالحضارة، ولكن التصغير(ممثلًا في رقائق السيلكون ـ قد غير خبرتنا عن الآلة. تحول التصغير ليصبح حول السلطة والقوة ؛ فالصغير ليس جميلا جدا بقدر ما أنه خطير، كما هو الحال في صواريخ كروز. ويمكنك أن تقارن أجهزة التلفزيون في الخمسينيات أو كاميرات الأخبار في السبعينيات مع عصابات المعصم التلفزيونية أو كاميرات الفيديو بحجم اليد التي الآن. أفضل آلاتنا الآن هي تلك التي تعمل على أشعة الشمس، فهي خفيفة ونظيفة لأنها ليست سوى إشارات وموجات كهرومغناطيسية، إنها جزء من الطيف، وهذه الآلات محمولة متحركة – جهد بشري هائل في ديترويت وسنغافورة. فالناس في أي مكان أصبحوا سلسين، ماديين وكثيفين معا. والسايبورغ هو الأثير، والجوهر والخلاصة.

الوجود المطلق والخفي للسايبورغ هو على وجه التحديد سبب أن آلات حزام أشعة الشمس قاتلة بهذا الشكل. إنها مستعصية على الرؤيا سياسيا وماديا. إنها الوعي اللطيف أو شبيهه. وهو أيضًا تلك الدلالات الطافية التي تتحرك في شاحنات صغيرة في جميع أنحاء أوربا، وقد تمنع من قبل نساء جرينهام المشردات اللواتي نسجتهن الساحرات واللواتي قرأن شبكات سلطة السايبورغ السلطة جيدا، بطريقة أكثر فعالية من عمل السياسات الذكورية العسكرية القديمة، التي يحتاج جمهورها الطبيعي إلى وظائف دفاعية. وفي نهاية المطاف فإن العلم الـ ‘أصعب’ هو عن عالم حيث الحدود أكثر إرباكا وتداخلا، عالم العدد النقي والروح النقية، عالم الـ C3I، والسايبوغرافي، والحفاظ على الأسرار القاتلة.

الأجهزة الجديدة نظيفة جدا وخفيفة. والمهندسون هم عبدة الشمس الذين توسطوا لثورة علمية جديدة مرتبطة بحلم ما بعد المجتمع الصناعي. والأمراض التي حركتها هذه الآلات النظيفة “ليست أكثر” من التغييرات الترميزية الضئيلة في مستضد واحد في الجهاز المناعي، “ليست أكثر” من تجربة إجهاد.

تتخذ الأصابع الرشيقة للمرأة ‘الشرقية’، والافتتان القديم بالفتيات الأنجلوسكسونيات الفيكتوريات الصغيرات مع بيت الدمية، والاهتمام النسائي القسري بالأشياء الصغيرة أبعادا جديدة تماما في هذا العالم. وربما أن هناك (أليس) سايبورغية تهتم بهذه الأبعاد الجديدة. ومن المفارقات، فقد تكون امرأة سايبورغية غير(طبيعية، نسبة إلى الطبيعة) هي من تصنع رقائق السيلكون في آسيا وتصمم الرقصة اللولبية في سجن سانتا ريتا * ((ممارسة روحية وسياسية في آن واحد تربط بين الحراس واعتقال المتظاهرين ضد الطاقة النووية في سجن مقاطعة ألاميدا في ولاية كاليفورنيا في مطلع عام 1985)). الرقصة التي ستمنح جزئياتها المركبة استراتيجيات معارضة فعالة. لذلك فإن أسطورتي السايبورغية هي عن تجاوز الحدود، والاندماج القوي، واحتمالات الخطر التي سيستكشفها التقدميون بوصفها جزء من العمل السياسي اللازم.

واحدة من مقدماتي المنطقية هي إن معظم الاشتراكيين الأمريكيين والنسويات يعززون تعميق ثنائيات العقل والجسم، والحيوان والآلة، المثالية والمادية في الممارسات الاجتماعية، والصياغات الرمزية، والمصنوعات اليدوية المادية المرتبطة بـ”التكنولوجيا العالية” والثقافة العلمية. ولكن المصادر التحليلية التي طورها التقدميون من الرجل ذي البعد الواحد لـ (ماركوز، 1964)، إلى وفاة الطبيعة (ميرشانت، 1980)، أكدت على ضرورة الهيمنة والآليات، وأشارت إلى جسد عضوي متخيل العضوية يتكامل مع مقاومتنا.

والمقدمة المنطقية الأخرى هي إن الحاجة إلى وحدة الناس الذين يحاولون مقاومة كثافة الهيمنة في جميع أنحاء العالم لم تكن أبدا أكثر حدة. ولكن تحولا شريرا ضئيلا في المنظور قد يمكننا من النضال لصالح المعاني بشكل أفضل، وكذلك للأشكال الأخرى من الطاقة والبهجة في المجتمعات المدارة تكنولوجيا. ومن ناحية، فإن عالم السايبورغ هو تنصيب نهائي لقضبان شبكة السيطرة على هذا الكوكب، وهو التجريد النهائي المتجسد في الرؤيا النبوئية الأخروية لحروب النجوم التي شنت باسم الدفاع، وهو الاستيلاء النهائي على أجساد النساء في عربدة الحروب الذكورية (صوفيا، 1984). ولكن من منظور آخر، فقد يكون عالم السايبورغ هو الواقع الاجتماعي والجسدي المعاش حيث لا يخاف الناس من القرابة المشتركة مع الحيوانات والآلات، ولا من الهويات الجزئية بشكل دائمولا من وجهات النظر المتناقضة.

والصراع السياسي هو أن نرى من كلا المنظورين في آن واحد، لأن كلا منهما يكشف الهيمنات والإمكانيات التي لا يمكن تصورها من وجهة النظر الأخرى. تنتج الرؤية الواحدة أوهاما أسوأ من الرؤية المزدوجة أو الرؤى المتعددة مثل الوحوش ذات الرؤوس الكثيرة. فوحدات السايبورغ هي وحشية وغير شرعية، وفي ظروفنا السياسية الراهنة، فإننا بالكاد يمكن أن نطمع في أساطير أكثر قوة للمقاومة وإعادة الاندماج. أود أن أتخيل (LAG، the Livermore Action Group مجموعة عمل ليفرمور) بوصفها نوعا من المجتمع السايبورغي، والمكرسة لتحويل المختبرات ـ التي تجسد / وتفيض منها أدوات التكنولوجيا الأخروية الرؤيوية ــ بصورة واقعية، والالتزام ببناء شكل سياسي ينجح في الحفاظ على تماسك السحرة، والمهندسين، والشيوخ، والمنحرفين والمسيحيين، والأمهات، واللينينيين لفترة كافية لنزع سلاح الدولة. والانشطار المستحيل Fission Impossible هو اسم مجموعة التقارب في بلدتي (والألفة أو التقارب Affinity ليست عن طريق الدم ولكن عن طريق الاختيار، انجذاب كل مجموعة كيميائية نووية للأخرى (.


المعلوماتية بوصفها وسائل للهيمنة:

في هذه المحاولة التي تهدف إلى موقف ابستمولوجي وسياسي، وأود أن أرسم صورة وحدة ممكنة، صورة مدينة بتصميمها لمبادئ الاشتراكية والنسوية.

وقد تم تعيين إطار هذه الصورة وفقا لمدى وأهمية إعادة الترتيبات في جميع أنحاء العالم ـ العلاقات الاجتماعية الواسعة المرتبطة بالعلم والتكنولوجيا. وأنا أدعو لسياسة متجذرة في الادعاءات حول تغييرات جوهرية في طبيعة العرق، والطبقة، والجنس في النظام الناشئ عن النظام العالمي مماثل في جدته ونطاقه لذلك النظام الذي أنشأته الرأسمالية الصناعية، ونحن نعيش في حركة التحول من مجتمع صناعي عضوي إلى نظام معلوماتي ومتعدد الأشكال – من الكل يعمل إلى الكل يلعب، اللعبة القاتلة. ويمكن عرض لثنائيات المادية والأيديولوجية في الوقت ذاته في الجدول التالي الذي يوضح التحولات من الهيمنة الهرمية القديمة المريحة للشبكات الجديدة المخيفة والتي أطلقت عليها المعلوماتية للهيمنة:

التمثيل المحاكاة
البرجوازية والرواية الواقعية الخيال العلمي، ما بعد الحداثة
الكائن حي المكون الحيوي
العمق والتكامل السطح، الحدود
الحرارة الضجيج
البيولوجيا بوصفها ممارسات إكلينيكية البيولوجيا بوصفها كتابة أو نقش
علم وظائف الأعضاء هندسة الاتصالات
المجموعة الصغيرة النظام الفرعي
الكمال التحسين
اليوجينا وعلم تحسين النسل التحكم بالسكان
الانحطاط، سحر الجبال التقادم، صدمة المستقبل
النظافة إدارة الإجهاد
علم الأحياء الدقيقة، والسل علم المناعة، الإيدز
التقسيم العضوي العمل بيئة العمل / العمالة السايبرنيتيكية
التخصص الوظيفي وحدات البناء
التكاثر الاستنساخ
تخصيص الدور الجنسي العضوي الاستراتيجيات الجينية الأمثل
الحتمية البيولوجية الجمود التطوري والقيود
الايكولوجي المجتمعي النظام الإيكولوجي
سلسلة الكينونة العرقية الإمبريالية الجديدة، انسانية الأمم المتحدة
الإدارة العلمية في البيت / المصنع المصنع العالمي / الكوخ الإلكتروني
الأسرة / السوق / المصنع المرأة في الدوائر المتكاملة
دخل الأسرة القيمة المقارنة
عام / خاص السايبورغ المواطن
الطبيعة / الثقافة مجالات الاختلاف
التعاون تحسين الاتصالات
فرويد لاكان
الجنس الهندسة الوراثية
العمل الروبوتات
العقل الذكاء الاصطناعي
الحرب العالمية الثانية حرب النجوم
البطريركية الرأسمالية البيضاء الهيمنة المعلوماتية


تقترح هذه القائمة أشياء مثيرة متعددة، فأولا، لا يمكن أن نطلق على الموضوعات في اليسار وصف (طبيعية)، وهذا الإدراك قد يفسد الترميز الطبيعي للجانب الأيمن أيضًا. فليس بمقدورنا أن نعود إلى الوراء ماديا أو إيديولوجيا. فالأمر ليس أن الإله igod ميت وبالتالي فالإلهة ميتة أيضا. أو أن كليهما قد عادت إليه الروح في عوالم مشحونة بالإلكترونيات الدقيقةوسياسات التكنولوجيا الحيوية.

أما فيما يتعلق بموضوعات مثل المكونات البيولوجية فيجب ألا نفكر فيها بمصطلحات الخصائص الأساسية، وإنما بمصطلحات التصميم، والحدود، والقيود، ومعدلات التدفق، ومنطق الأنظمة، وتكاليف خفض المعيقات. وبذلك يعد التكاثر الجنسي أحد استراتيجيات التكاثر المتعددة. بتكلفة وفوائد تحدد تبعا للنظام البيئي. فلا يمكن لإيديولوجيات التكاثر الجنسي استدعاء مفاهيم الجنس والدور الجنسي بعقلانية بوصفهما جوانب عضوية في الموضوعات الطبيعية مثل الكائنات الحية والأسر. حيث ستتم تعرية هذه الحجج بوصفها لاعقلانية، وللمفارقة فقد يشترك المدراء التنفيذيون لمجلات مثل بلاي بويوجماعات النسوية الراديكالية المكافحات ضد الإباحية في فضح هذه اللاعقلانية.

وكما بالنسبة للعرق، فإن الإيديولوجيات حول التنوع البشري يجب أن تصاغ بمصطلحات تكرار المعايير، مثل فصائل الدم أو معدلات الذكاء. فمن غير العقلاني استدعاء مفاهيم مثل البدائية والمتحضرة. وبالنسبة لليبراليين والراديكاليين، فإن البحث عن نظم اجتماعية متكاملة يمنح وسيلة لممارسة جديدة تسمى “الاثنوغرافيا التجريبية”‘experimental ethnography’ التي تبدد الكائن العضوي لصالح مجاملة لعبة الكتابة.

أما على مستوى الفكر، فنحن نرى ترجمات للعنصرية والاستعمار إلى لغات التنمية والتخلف، ومعدلات وقيود التحديث. ويمكن لأي جسم أو شخص أن يُدرك بشكل معقول وبمصطلحات التفكيك والتركيب; فلا يوجد مبان ‘طبيعية’ تقيد تصميم النظام.

والدوائر المالية في مدن العالم كافة، فضلا عن مناطق تجهيز الصادرات والتجارة الحرة، تعلن هذه الحقيقة الابتدائية عن الرأسمالية المتأخرة. الكون كله الذي يمكن أن يعرف علميا يجب أن يصاغ بوصفه مشاكل في هندسة الاتصالات (للمدراء) أو نظريات النص (بالنسبة لأولئك الذين سيقاومون). وكلاهما سيميائيات سايبورغية cyborg semiologies.

ينبغي للمرء أن يتوقع استراتيجيات سيطرة للتركيز على ظروف الحدود والواجهات، وعلى معدلات التدفق عبر الحدود – وليس على أمانة الكائنات الطبيعية. “أمانة ” أو “صدق”الذات الغربية يعطي وسيلة لإجراءات القرار والنظم الخبيرة. على سبيل المثال، فإن استراتيجيات الرقابة على قدرات المرأة على ولادة بشر جديد ستوضع بالنسبة لصانعي القرار بلغات التحكم في عدد السكان وتحقيق الأهداف الفردية. وهكذا فإن استراتيجيات السيطرة ستصاغ بمصطلحات المعدلات وتكلفة القيود ودرجة الحرية.والبشر، مثل أي مكون آخر من مكونات النظام الفرعي، يجب أن يتموضعوا في بنية النظام الأساسية التي تمثل الاحتمالية والإحصائية أساسيات أساليب عملها. فلا الأشياء، ولا الأماكن، أو الهيئات, مقدسة بحد ذاتها؛ فأي مكون يمكن أن يتقابل مع أي مكون آخر إذا ما وضع المعيار السليم، والرمز المناسب، لمعالجة الإشارات في لغة مشتركة. يتجاوز التبادل في هذا العالم الترجمة العالمية التي تقوم بها الأسواق الرأسمالية التي حللها ماركس بشكل جيد.

أما علم الأمراض التي يؤثر على جميع مكونات هذا الكون فهو (الإجهاد – انهيار الاتصالات) (Hogness، 1983).

ولا يخضع السايبورغ لسياسات فوكو الحيوية. فهو يقلد أو يحاكي السياسات في حقل من العمليات أكثر قوة. ويجهزنا هذا النوع من التحليل لكائنات المعرفة والموضوعات العلمية والثقافة الذي ظهر تاريخيا منذ الحرب العالمية الثانية، لأن نلاحظ بعض أوجه القصور الهامة في التحليل النسوي الذي يجري كما لو أن خطاب تنظيم الثنائيات البطريركية العضوية في ‘الغرب’ منذ أرسطو لا يزال حاكما. لقد زالت تلك الثنائياتوتم تفكيكها أو كما تقول زوي صوفيا: لقد هضمت تكنولوجيا. لقد جلب التقسيم والتمييز بين العقل والجسم والحيوان والإنسان، والكائن الحي والآلة، والعام والخاص، والطبيعة والثقافة، والرجال والنساء، والبدائية والمتحضرة إلى المساءلة أيديولوجيا. والوضع الفعلي للنساء هو اندماجهم / استغلالهم في نظام الإنتاج / الاستنساخ العالميونظام الاتصالات الذي يسمى المعلوماتية للهيمنة.

المنزل ومكان العمل والسوق، و الساحة العامة، والجسد نفسه يمكن بعثرته بطرق متعددة لانهائية تقريبا، مع عواقب كبيرة بالنسبة للمرأة وغيرها – عواقب وتبعات مختلفة جدا من شخص لآخر، هذه الاختلافات تجعل من الصعب تخيل المعارضة الدولية القوية من ناحية، كما أنها تجعلها ضرورية للبقاء من ناحية أُخرى. وعليه فإن هناك طريق واحد مهم لإعادة تركيب سياسات الاشتراكية النسوية وذلك من خلال النظرية والتطبيق الموجهة إلى العلاقات الاجتماعية للعلوم والتكنولوجيا، بما فيها نظم الأسطورة والمعاني التي تهيكل خيالنا. والسايبورغ هو نوع من الذات التركيبية والتفكيكية الشخصية والجمعية ما بعد الحداثية. وهذه هي الذات التي يجب أن تصوغها النسويات.

وتكنولوجيا الاتصالات والتكنولوجيات الحيوية هي الأدوات الحاسمة التي ستعيد تشكيل جسامنا. وتجسد هذه الأدوات وتفرض علاقات اجتماعية جديدة للنساء في جميع أنحاء العالم.

ويمكن فهم الخطابات العلمية جزئيا بوصفها تشكيلات formalizations، أي لحظات مجمدة من التفاعلات الاجتماعية السلسة التي تشكلها، ولكن ينبغي أيضا أن ينظر إليها بوصفها أدوات لتعزيز المعاني. إن الحدود بين الأداة والأسطورة،والجهاز والمفهوم، والأنظمة التاريخية للعلاقات الاجتماعية والتشريحات التاريخية للأجساد المحتملة بما فيها (أهداف المعرفة) ـــ نفاذة. وفي الواقع، تشكل الأداةوالأسطورة كل منهما الأخرى. وعلاوة على ذلك، فإن علوم الاتصالات وعلوم البيولوجي الحديثة قد بنيت على أساس تيار مشترك – ترجمة العالم إلى (مشكلة في الترميز)، والبحث عن لغة مشتركة تختفي فيها جميع طرق مقاومة السيطرة ويمكن إخضاع التجانس للتفكيك، وإعادة التجميع، والاستثمار، والتبادل.

و يمكن أن تتضح ترجمة العالم إلى (مشكلة في الترميز) في علوم الاتصالات، من خلال النظر في نظريات النظم السايبرنيتيكية (التغذية المرتدة ـ السيطرة) التي تطبق على تكنولوجيا الهاتف، وتصميم الكمبيوتر، ونشر الأسلحة، أو بناء قاعدة البيانات والصيانة. وفي كل حالة، فإن حل الأسئلة الرئيسية يقع على عاتق نظرية اللغة والسيطرة، والعملية المفتاحية هي تحديد معدلات واتجاهات، واحتمالات تدفق كمية تدعى (المعلومات). وينقسم العالم من خلال الحدود القابلة للاختراق بشكل تفاضلي إلى المعلومات. المعلومات هي فقط ذلك النوع من العنصر الكمي (وحدة، أساسيات الوحدة) التي تسمح بالترجمة العالمية، ولا تعيق السلطة الذرائعية (تسمى الاتصالات الفعالة). أما أكبر تهديد لسلطة من هذا القبيل فهو انقطاع الاتصالات.

و يمكن تكثيف أساسيات هذه التكنولوجيا في الاستعارة C31، الرمز العسكري لنظرية عملياتها.

وفي البيولوجيا الحديثة، يمكن أن تتضح ترجمة العالم إلى (مشكلة في الترميز) في علم الجينات الجزيئي، وفي الإيكولوجي، ونظرية التطور الاجتماعي الحيوي، وعلم المناعة. وقد ترجم الكائن الحي إلى مشكلات من الترميز الوراثي ثم قرأ على هذا النحو read-out.

تغذي التكنولوجيا الحيوية، والتكنولوجيا الكتابية، البحوث على نطاق واسع، وبمعنى من المعاني، لم تعد الكائنات الحية تتواجد بوصفها (أهداف المعرفة في الوجود objects of knowledge)، مفسحة المجال للمكونات البيولوجية، أي الأنواع الخاصة من أجهزة معالجة المعلومات. ويمكن دراسة تحركات مماثلة في علوم البيئة (الأيكولوجي) عن طريق سبر التاريخ وفائدة مفهوم النظام البيئي. كما أن علم المناعة والممارسات الطبية المرتبطة بها هي نماذج غنية لامتياز الترميز وأنظمة الإدراك بوصفها(أهداف المعرفة)، وبُنى لواقعنا الجسدي.

البيولوجيا هنا هي نوع من التشفير. والبحث هو بالضرورة نوع من النشاطات الاستخباراتية. والمفارقات كثيرة. فالنظام المجهد يخفق أو ينحرف؛ وعندما تتكسر عمليات الاتصال الخاصة به، يفشل في الاعتراف بالفرق بين الذات والآخر.

تثير الأجنة البشرية بقلوب البابون الحيرة الأخلاقية الوطنية –بالنسبة لنشطاء حقوق الحيوان على الأقل بالقدر ذاته كما لأولياء نقاء الإنسان. وفي الولايات المتحدة فإن مثلي الجنس من الرجال ومتعاطي المخدرات عن طريق الحقن هي الضحايا ال“متميزون” لأمراض الجهاز المناعي النكراء التي تحدد التشويش الحاصل بين الحدود والتلوث الأخلاقي (Treichler، 1987).

ولكن كانت هذه القفزات في علوم الاتصالات وعلم الأحياء على مستوى عال جدا، ويدعم الواقع الاقتصادي إلى حد كبير ادعائي بأن هذه العلوم والتقنيات تشير إلى تحولات أساسية في بنية العالم. تعتمد تكنولوجيات الاتصالات على الالكترونيات.

تعتمد الدول الحديثة، والشركات متعددة الجنسيات،والقوة العسكرية، وأجهزة دولة الرفاه، وأنظمة الأقمار الصناعية، والعمليات السياسية،وتلفيقات خيالنا، وأنظمة التحكم بالعمالة،والإنشاءات الطبية في أجسامنا، والمواد الإباحية التجارية، والتقسيم الدولي للعمل، والتبشير الديني اعتمادا وثيقًا على الإلكترونيات. فالالكترونيات الدقيقة هو الأساس التقني للمحاكاة simulacra، بمعنى النسخ المكررة دون أصل. وتتوسط الالكترونيات الدقيقة قي ترجمة العمالة إلى الروبوتات ومعالجة النصوص،وترجمة الجنس إلى الهندسة الوراثية والتقنيات الإنجابية، والعقل إلى الذكاء الاصطناعي وإجراءات اتخاذ القرار.

وتتعلق التكنولوجيات الحيوية الجديدة بالتكاثر. فقد أدى علم الأحياء بوصفه علم هندسي قوي يهتم بإعادة تصميم المواد والعمليات إلى تأثيرات ثورية في الصناعة، وربما الأكثر وضوحا هي تأثيراته في الإنتاج الحيوي واسع النطاق، والزراعة، والطاقة.

أما علوم الاتصالات والبيولوجيا هي بُنى من (أهداف المعرفة) الطبيعية والتقنية حيث الفرق بين الآلةوالكائن الحي ضبابي وغير واضح، وحيث يرتبط العقل والجسد والأداة بعلاقات وثيقة للغاية.

ويبدو أن المؤسسات المادية متعددة الجنسيات والمعنية بإنتاج وإعادة إنتاج الحياة اليومية والمؤسسات الرمزية المعنية بإنتاج وإعادة إنتاج الثقافة والخيال. متورطة بالقدر ذاته. أما الحدود التي طالما حافظت على صور القاعدة والقمة والعام والخاص والمادي والمثالي فإنها لم تكن بمثل هذا الضعف والهوان من قبل.

لقد وظفت صورة راشاذة فيمان (1980) بوصفها صورة المرأة في الدوائر المتكاملة للدلالة على وضع المرأة في العالم المركبة والمرتبطة ارتباطا وثيقا من خلال العلاقات الاجتماعية للعلوم والتكنولوجيا. ووظفت أيضًا عبارة شاذة في ‘العلاقات الاجتماعية للعلوم التكنولوجيا “، للإشارة إلى أننا لا نتعامل مع الحتمية التكنولوجية، ولكن مع نظام تاريخي يعتمد على العلاقات المركبة بين الناس. ولكن العبارة تعني أيضا أن العلم والتكنولوجيا يوفران مصادر جديدة للطاقة، أننا بحاجة لمصادر جديدة للتحليل والعمل السياسي (لاتور، 1984). إن بعض إعادة ترتيب لقضايا العرق أو الجنس أو الطبقة المتجذرة في التكنولوجيا العالية الميسرة للعلاقات الاجتماعية من شأنه أن يجعل الاشتراكية النسوية أكثر ملاءمة لسياسات تقدمية فعالة.

هوامش

  • ولدت دونا هاراوي عام 1944 في دنفر، كولورادو. وتعمل حاليا أستاذة فخرية في تاريخ الوعي في جامعة كاليفورنيا، سانتا كروز، الولايات المتحدة الأمريكية. تعد هاراوي من (النسويات) الفاعلات، فضلا عن أنها قد وصفت بالماركسية الجديدة وبما بعد الحداثية. درّست هاراوي مادتي (الدراسات النسوية) و(تاريخ العلوم)في جامعة هاواي وجامعة جونز هوبكنز. وفي سبتمبر 2000، تم منح هاروي أعلى تكريم تمنحه جمعية الدراسات الاجتماعية للعلوم: جائزة برنال عن مجمل مساهماتها العلمية وأبحاثها. حاضرت هاراوي في (نظرية النسوية)و(العلوم والتقنية) في كلية الدراسات العليا في Saas-Fee في سويسرا. تعد هاراوي مفكرة رائدة في مجال علاقات الحب والكره بين الإنسان والآلة. وقد فجرت أفكارها نقاشات حادة في مجالات متنوعة مثل علم المقدمات primatology، والفلسفة، والبيولوجيا التطورية. وضعت هاراوي عام 1985 نظرية السايبورغ من أجل انتقاد المفاهيم التقليدية النسوية، خصوصا تركيزها القوي على الهوية، بدلا من التقارب. وقالت إنها توظف مجازا لسايبورغ من أجل بناء الحركة النسوية التي تتحرك خارج الثنائيات والقيود التقليدية بين الجنسين، لتصل إلى استنتاج مفاده: نحن جميعا سايبورغ.