وثيقة:في تغييب السياسي من الاقتصاد والنشاطية: ملاحظات نسوية حديثة التخرج عن الاغتراب والاحتواء

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

مجلة كحل.png
مقالة رأي
تأليف فرح بابا
تحرير غير معيّن
المصدر مجلة كُحل لأبحاث الجسد والجندر
اللغة العربية
تاريخ النشر 2019-06
مسار الاسترجاع https://kohljournal.press/ar/node/177
تاريخ الاسترجاع 2019-07-10
نسخة أرشيفية http://archive.is/BS6Xu


هذه الوثيقة هي مقالة من العدد الثاني من المجلد الخامس لمجلة كحل



قد توجد وثائق أخرى مصدرها مجلة كُحل لأبحاث الجسد والجندر



تعبّر النساء والنسويات الناشطات عن رفضهن للطرق التي تتم بها صياغة السياسات المعارضة واستخدامها من قبل الرجال في الأوساط الناشطة في مختلف أنحاء العالم. يحاول الطلاب والطالبات في لبنان إعادة إنتاج تجارب الماضي الناجحة، وتحديداً الإضرابات والاحتجاجات التي طالبت بتعليم عام ميسور التكلفة، في الوقت الذي يجدون أنفسهم/نّ قلقين/ات بشأن مستقبلهم/نّ في ظل الاقتصاد الحالي إذا لم يؤد نشاطهم/نّ إلى تغيير سريع وجذري. غالباً ما يتم إحتواء وتغييب السياسي في هذا العمل، وهو ما ناقشناه لسنوات دون جدوى كجزء من مشاركتنا في مجموعات الطلاب والشباب والدوائر النسوية. اليوم، يتم تصنيف النسوية على أنها "عصرية" أو سائدة في أحسن الأحوال أو كـ"كليشيه" في أسوئها. أثناء كتابتي لهذا المقال، انتابني شعور عارم بأن كل شيء قد قيل سابقاً، وأن قصتي لا تختلف بشيء عن قصص النساء والطالبات الأخريات. عندما يتم اختطاف جهودنا ولغتنا والإستيلاء عليها، فإننا ننحني على نحو يذكرنا بشعور كل عامل وعاملة عندما يوعَدون بتحسينات في ظروف عملهم. مع القوة والضغط الذي يمارس علينا، كثيراً ما تحثّنا المونولوجات الداخلية على أن نكون راضين/ات، وألّا نعرّض أنفسنا للخطر بسبب التحدث أو التعبير عن اعتراضنا.

فيما يلي، أبحث في القواسم المشتركة بين النضالات التي أجد نفسي جزءاً منها كامرأة ونسوية وخريجة جديدة. أحلل كيف شكلت هذه التجارب المتنوعة فهمي للسياسة، والذي أشاركه مع أخريات يجدن أنفسهن مثلي بين تقاطعات حركات الطلاب والنساء. لهذا الغرض، أركّز على تبيان كيف تشكِل هذه الموقعيّات بدورها مطالب النساء المنخرطات في السياسات المعارضة في ظل البنية الاقتصادية اللبنانية. تشهد البلاد حاليًا العديد من التغيرات على المستويات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية. في مطلع العام الحالي، اندلعت الإحتجاجات بسبب تدهور الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية مع ارتفاع أسعار المنتجات، وخاصة البنزين، وبعدما أصبح من الصعب جداً على الناس تحمل تكاليف التعليم الخاص. في الآونة الأخيرة، اتجهت الإحتجاجات ضد تدابير التقشف التي أعلنتها الحكومة والتي ألمحت إلى نوايا بفرض تخفيضات في أجور موظفي القطاع العام وفي تمويل الجامعة العامة الوحيدة، وهي الجامعة اللبنانية. تم تنظيم هذه الإحتجاجات، التي شارك فيها العديد وتمت تغطيها بكثافة على وسائل التواصل الإجتماعي، و/أو الدعوة إليها، في الغالب، من قبل ما يسمى بـ”المعارضة“، والتي تضم عددًا من المنظمات غير الحكومية والحركات المدنية.[1] ومع ذلك، فقد أعربت بعض الجماعات الأخرى عن شكوكها في المظاهرات العامة لأسباب سياسية وتنظيمية مختلفة.


من هذ المنطلق، أركّز على الطريقة التي يعتاش فيها النظام الحالي ومعارضته عبر احتواء قضايانا ونضالاتنا المختلفة، وإعادة صبغها في محاولةٍ لجذب ما يفترضون أنهن شابات متحررات وغير طائفيات. أناقش كيف يتم إسكات النساء والطالبات غير الراضيات وحرمانهن من الموارد اللازمة للتنظيم السياسي، ولماذا نجد أنفسنا دائمًا معزولات بسبب جهود تهدف إلى محو سخطنا. أخيرًا، أقارن الدولة بالمعارضة المزعومة، وأناقش كيف تشترك الاثنتان في أوجه تشابه أكثر منها من الإختلافات.


كنساء في الوضع الأبوي الراهن

في المجموعات الشبابية القليلة التي كنت جزءًا منها والإجتماعات التي حضرتُها في السنوات الثلاث الماضية، غالباً ما كان يتم رفض مشاركة النساء في المجموعات السياسية على أنها عمل غير مرئي: لقد وصفنا نظراءنا الرجال بأننا مثاليات وغير واقعيات بما يكفي، وبأننا نفتقر فهماً سليماً للواقع ومتطلباته. عندما نشعر بالغضب، يخبروننا بأنه علينا أن نتخلى عن خطابنا "العدواني" وأن نكون ممتنّات لأن وضعنا أفضل من النساء اللواتي أتين من قبلنا واللواتي كافحن وعانينَ حتى نحصل، نحن النساء في هذا العصر والوقت، على فرصة حضورنا على طاولة الإجتماع. بمعنى آخر، يتم استخدام تاريخ قضيتنا ضدنا، ويتم تصوير وجودنا في الإجتماع على أنه إمتياز في حد ذاته.

تخبرنا "النصيحة" المستعلية ولكن صديقة المظهر أن نترك هويتنا كنساء خارج قاعة الإجتماع. علاوة على ذلك، عند حدوث تحرش جنسي، يُطلب منا أن نترك محننا وراءنا، لصالح الجاني الذكر، خصوصاً عندما يكون لديه مواقف إقتصادية جيدة وموقع مضمون داخل التنظيم. تجد المجموعة أنه لا غنى عنه وترفض التخلي عنه بسبب "حادثة مرة واحدة": "ما من أحد مثالي، والآن ليس الوقت المناسب لفضح التحرشات؛ نحن مشغولون بالتخطيط لثورة"، وهي ذريعة نسمعها في كثير من الأحيان. في المقابل، عندما يتعلق الأمر بمطالب نسوية، فإنها تُقابل بسخرية واضحة وبنزع صفة السياسي عنها، حيث يتم تحويلها إلى صراعات فردية لا تستحق الاهتمام الفوري. مخاوفنا "ليست ذات أولوية في الوقت الحالي" و"الآن ليس وقتاً جيداً للتعبير عن استيائنا". والنتيجة هي أننا نغادر وهم يبقون. لذلك، تبدأ مساحات المقاومة لدينا في التقلص وقد ينتهي بنا المطاف في حلقة مفرغة من الجهود لتشكيل والبحث عن مساحات آمنة جديدة والإنخراط في مجموعات جديدة. من إحدى الانتقادات التي غالباً ما أصادفها في "النكات" على وسائل التواصل الاجتماعي، وأيضًا في بعض النقاشات حول النسوية في بيروت: تقفز النسويات بشكل مستمر بين الأماكن المختلفة؛ إنهن غير موثوقات. ولكن، لماذا يتم رفض هذا الفعل الصغير من المقاومة لصالح التغاضي عن تهميشنا الذي نواجهه والتحرش الذي نخشاه؟

إن إسكات مطالبنا واحتواء قضيتنا منهجي إلى الحد الذي يجعلنا نتساءل عما إذا كنا مضطهدات حقًا في هذا السياق. لا يقتصر الأمر على إلحاق الضرر بجهودنا التنظيمية، بل يطال أيضاً منظومة اعتقاداتنا. ينهي الأمر بتركنا لمساحات التنظيم وللموارد لأولئك الذين كانوا يمتلكونها أصلاً، مع عدم وجود آليات للمساءلة تحقق لنا العدالة. كما أكدت هبة عباني (٢٠١٢) من خلال تفكيرها في اليسار والنساء في لبنان، لا توجد مطالب ثورية أو صراعات مؤقتة أكثر أهمية من غيرها.[2]


كطالبات في نظام تعليمي ربحي وسوق عمل رأسمالي

هندست السياسات النيوليبرالية الاقتصاد اللبناني ما بعد الحرب الأهلية. أدت هذه السياسات إلى هيمنة فعلية للقطاع غير الربحي بسبب التركيز المكثف على التنمية الاقتصادية لخدمة طبقة اجتماعية معينة. أصبح التعليم اليوم في الجامعات والمدارس الخاصة مكلفاً للغاية، ولا دور للطلاب إلا ربما القليل في التأثير فيما يدرسون. بدورها، تلعب هذه المؤسسات دوراً مهماً في تعزيز المُثل النيوليبرالية. في فصل دراسي عن الاضطرابات النفسية، على سبيل المثال، تعلّمنا أن أهم أعراض الإضطراب النفسي هو غياب الإنتاجية وفك الارتباط أو العزلة عن العمل والدراسة. تعلمنا أيضًا أن هناك علاجات لإعادة دمج غير المنتجات في المجتمع. كيف يمكن لأحد إيجاد معنى لحياته إذا لم يساهم في الاقتصاد الحالي؟

وبالمثل، تستثمر الجامعات الخاصة في الوقت الحاضر الكثير من وقتها ومواردها في تعزيز "ريادة الأعمال الاجتماعية" (social entrepreneurship) كحل للمشاكل الاجتماعية. إنهم يقومون بتدريب طلابهم على أن يكونوا مواطنين فاعلين و"عملاء للتغيير". يعزز هذا النمط ثقافة الفردية والرضا عن الذات: يمكن للمرء أن يستثمر في "إمكاناته" من خلال تأسيس شركة ناشئة لإخبار العالم بأنه مهتم بالمشاكل الاجتماعية وللتوصل إلى طرق "مبتكرة" لحلها. تولّد استراتيجيات التسويق الموجهة نحو الربح، والمتمظهرة كجهود إبداعية، أرباحاً من خلال نموذج عمل معين، مهملةً بذلك الجذور السياسية للمشاكل التي تدّعي حلها. خذ على سبيل المثال الشركات الناشئة المتعددة التي تروج لها الجامعات والتي تشارك في سباقات الأفكار التجديدية والقرصنة: هم يدّعون أنهم يعالجون بطالة الشباب، لكنهم لا يتطرقون مطلقاً للتوزيع غير العادل للموارد والثروة أو الطبيعة الزبائنية للإقتصاد. كانت الحركات الطلابية والشبابية في الماضي مختلفة تمامًا: في الخمسينيات، طالب طلاب الجامعات الخاصة بتعليم عام ذي جودة وبأسعار معقولة. اليوم، يتم استبدال نشاط الطلاب بـ"ريادة الأعمال الإجتماعية". عندما نحاول التنظيم، نواجه ترتيباً خاطئاً للمطالب مدّعيا الواقعية من أجل التركيز فقط على القضايا التي تؤثر بشكل مباشر على الشباب والطلاب مثل الرسوم الدراسية وسوق العمل وما إلى ذلك، ويُطلب منا إسقاط المطالب السياسية لأن آخرين قبلنا قد حاولوا وفشلوا. حتى أن بعض مجموعات الطلاب والشباب يرفضون تعريف أنفسهم على أنهم مسيسون بأي شكل من الأشكال ويصرّون على لعب دور نقابي بحت. وهذا ما يؤدي إلى تهميش المطالب بالغة الأهمية المتعلقة بحقوق المرأة والأقليات الجنسية، وحرية النشاط السياسي والتعبير، وحتى دور الإقتصاد في نضالات الطلاب اليومية مثل الرسوم الدراسية وفرص العمل، والقروض، والديون.

إن العمل في المؤسسات الإنسانية أو المؤسسات غير الهادفة للربح يصبح من بين الخيارات القليلة للغاية التي لدينا بعد التخرج بشهادات في العلوم الاجتماعية والإنسانية. ولكن ما هي المسارات الوظيفية والأكاديمية البديلة التي تبقى لنا في ظل هذا النموذج الاقتصادي؟ نتعلم ونعتقد أنه من الميؤوس منه تماماً - وغير الواقعي - تحقيق أي تغيير من خلال مؤسسات الدولة بشكل مطلق. وبالتالي لدينا عدد قليل جداً من المساحات المخصصة لـ"فئتنا العمرية" وقيمنا السياسية. إنتقادي هذا لا يعتبرُنا منافقين للعمل ضد سياستنا، كما أنه لا يشير إلى المنظمات غير الحكومية وحدها. وإنما، يتعلق الأمر بالقيود المنهجية الشاملة التي تجبرنا على الدخول في هذه الحقول والالتزام ببعض الإرشادات التي، في أكثر الأحيان، تكون عكس تطلعاتنا.


كناشطات ضد تعميم القضايا

إن ربط المطالب الإقتصادية بالمحن الإجتماعية يكشف الطبيعة المنهجية للمشاكل التي نواجهها ومصادرها البنيوية. ومع ذلك، فإن الموجة الجديدة من المشاركة السياسية والنشاطية تنبع من المنظمات غير الحكومية، مما يقدّم أفراد هذا القطاع على أنهم رائدين في طليعة "المعارضة" في المعارك السياسية. تتناقض هذه الصورة المنتجة ذاتياً مع الدور التأييدي الفعلي الذي تلعبه عادة المنظمات غير الحكومية. علاوة على ذلك، تفشل هذه المنظمات في معالجة النظام أو حتى وصفه كما هو، بدلاً من ذلك تختار التركيز على حملات التمكين غير المجدية التي لا يمكن استبانة جمهورها المستهدف. ينحرف نمط العمل للمنظمات غير الحكومية عن المشكلات البنيوية التي نواجهها وتدعو إلى الإصلاحات، فيما تهمل بالكامل المصادر البنيوية التي تكمن وراء جميع المشاكل.

بناءً على مشاركتي القصيرة مع "مستعدين"، وهي مجموعة برزت خلال فترة الانتخابات لمقابلة جميع المرشحين المستقلين وتقييمهم بناءً على مجموعة من القيم والمبادئ السياسية،[3] فإن مشاركة المجتمع المدني في الانتخابات البرلمانية قبل عام تمثل مثل هكذا اتجاهات. افتقر المجتمع المدني إلى خطاب ومطالب متماسكة وتقدمية، حيث أن لأعضاء هذه المجموعات قيم وأهداف متناقضة. كما هيمن على هذه المشاركة خطاب "وطني" يتبنى عملياً الإقصاء للسكان غير اللبنانيين الذين يعانون من النظام نفسه. ولعل الأهم من ذلك أنه تم تشجيع مشاركة قادة المنظمات غير الحكومية "كوجوه" معترف بها في حملة "المعارضة"، بدلاً من وعلى حساب المرشحين المسيسين الذين لديهم برامج إنتخابية واضحة.


يمكننا القول بأن هذا شكلٌ من أشكال إحتواء النضالات السياسية والجهود والتنظيم، بمعنى أن نظامنا الاقتصادي يجعل قضايانا "قابلة للتسويق" و"قابلة للمشاركة" من خلال حملات التواصل الاجتماعي المحبوبة والشعارات والخطابات المبسّطة. يتم إخراج الجوهر السياسي من القضية السياسية من قبل المنظومة الحاكمة، والمنظمات غير الحكومية، وحتى المجموعات التي تدفع من أجل المشاركة السياسية والمدنية. على سبيل المثال، تضمّنت الجهود التي بُذلت مؤخراً لتعميم المنظور الجندري بشأن العنف المرتبط بالجندر تعريفاً مختصراً جداً لمفهوم الجندر وتجاهلت بالمطلق ديناميكيات القوة والسياسة الجنسية الكامنة وراء الصراع. بدلاً من ذلك، تركّز هذه الحملات والجهود التي تبذلها المنظمات غير الحكومية، والتي تعلن نفسها كمنظمات نسوية، فقط على المؤسسات المعترف بها مثل أفراد الأسرة، والعنف بين الشركاء، وما إلى ذلك، مما يميّع السياق الأوسع. لقد عالجوا العنف الجندري فقط من منطلق المساعدة الإنسانية. ولعل الإخفاقات في معالجة مثل هذه القضايا بشكل نقدي مرتبط بالإعتماد المالي للمنظمات على المانحين، وبالتالي الإلتزام بجداول أعمالهم. يكتسب هذا النوع من الدعوة والنشاط مزيدًا من البروز والاعتراف في المجال العام أكثر من جهود الجماعات السياسية التي تحاول التنظيم. لا يتم معالجة القضايا الاجتماعية بشكل منهجي بسبب الدور الإداري البسيط للدولة، مما يترك تقديم الخدمات للقطاعين الخاص وغير الربحي. تدفع هذه الحملات قصيرة الأجل فواتيرنا في نهاية الشهر ولكنها لا تشكل تغييراً بنيوياً. وبالتالي فنحن مجدداً مغتربات (alienated)، ونشكك في سياستنا وطرق تنظيمنا، ونلجأ أحياناً إلى البراغماتية البحتة المتمثلة في إختيار "أهون الشريّن" والطريق الأسرع.

المنظومة الحاكمة، الرأسمالية والأبوية، تستولي على خطابنا وتميّعه. على مر السنين، نسينا عدد المرات التي سمعنا فيها أعمدة النظام الطائفي وهي تروّج لـ"الدولة المدنية" كحل لفشل البلاد. والأمر الأكثر إثارة للسخرية هو أننا سمعنا مؤخراً أعمدة النموذج الإقتصادي الفاشل تدعو إلى العدالة الاجتماعية. إذن، ما الذي بقي من خطابنا لمشاركته مع الجمهور؟


ملاحظات ختامية

في كل مرة نعبّر فيها عن هذا النقد، تفشل جماعات المعارضة في معالجته. إنهم يعززون ويعيدون إنتاج خطاب طبقي يصف الناس بأنهم ”خرفان“ طائفيون ومغسولو الدماغ ويحملونهم المسؤولية عن الوضع الراهن. يطالبون بمعالجات طفيفة مثل الانتخابات. ومع ذلك، فهؤلاء هم بطبيعتهم طبقيون وساذجون، لأنهم يفترضون خطئاً أن السياسة في لبنان تحدث على المستوى المؤسسي. إنهم ينظرون إلى إخفاقات الأشخاص الذين يتخذون نفس الخيارات مرارًا وتكرارًا فشلًا فرديًا، ويفشلون بالتالي في تبيان الظروف الاجتماعية والاقتصادية والباطن الطبقي لمثل هذا اللوم.[4] هذا الفهم التبسيطي يسلب الناس من وكالتهم واستقلالهم، مما يزيد من تفاقم تدابير التقشف التي تتخذها الحكومة. من شأن هذه التدابير أن تغذي الفجوة بين عمال القطاع الخاص والعاملين في القطاع العام، الذين يُنظر إليهم على أنهم منافسون. إنه يعزلنا مرة أخرى عن أملنا في توحيد "العمال ضد المنظومة الحاكمة".

كيف نمضي قدمًا من هنا؟ كيف نقاوم هذا الإحتواء ونواصل القتال من أجل قضايانا باستخدام الموارد التي لدينا دون قلقنا من أن نوصف بالعدوانية؟ أعتقد أنه من خلال مطالبتنا باستمرار بالهدوء وتهدئة غضبنا، تحاول شرائح من المعارضة تلميع الواقع وإزالة الشرعية عن عملنا على أساس أن الغضب هو عاطفة - والعواطف "ليس لها مكان في سياسات الإعتراض الناجحة". لا نكون "جذرين جدًا" أو إقصائيين عندما نرفض تسويق قضايانا وتجميلها للمنظور العام. تُعد الإختلافات الأيديولوجية بمثابة نقطة فاصلة ويتم تحقيق التغيير فقط عندما نوجه هذا النقد داخليًا وخارجيًا ضد المنظومة الحاكمة وداخل تنظيماتنا.



الهوامش

  1. تشرح جمانة تلحوق الضبابية في مصطلح ”المجتمع المدني“ في السياق اللبناني في مقالتها "الانتخابات النيابية، المجتمع المدني، والعوائق التي تمنع التغيير السياسي"، المنشورة في كحل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر، المجلّد 4، عدد 1، سنة 2018: ص. 23 ـ 29. https://kohljournal.press/ar/parliamentary-elections
  2. https://www.al-manshour.org/node/7911
  3. https://mist3ideen.com/criteria/
  4. Rima Majed, “Why the Lebanese Support the Same Sectarian Leaders,” published on Aljazeera on April 6, 2017.