وثيقة:لما يسارع الرجال لتصويب كلام النساء

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

Circle-icons-document.svg
مقالة رأي
تأليف سحر مندور
تحرير غير معيّن
المصدر جدلية
اللغة العربية
تاريخ النشر 2016-09-21
مسار الاسترجاع http://www.jadaliyya.com/Details/33586/لمّا-يسارع-الرجال-لتصويب-كلام-النساء
تاريخ الاسترجاع 2018-01-01



قد توجد وثائق أخرى مصدرها جدلية



اعتاد الكثير من الرفاق في التقدّمية والطليعية، من أصحاب مطالب الحرية والعدالة والمساواة عامةً، على أن النساء يتوجّهن إليهم بالكلام لما يطالبن بحقّ من حقوقهن. اعتادوا، كما المسؤولين، لغةً تطالب وقد ترتجي، يجب أن تفنّد وتبرهن، تسوق الأمثال الدالّة على الأهلية، تعد بعدم الخروج عن "الإجماع والتوافق"، تتبنّى وتفاوض، ... لغةٌ، إذا حضر في عبارةٍ من عباراتها طفلٌ ذكرٌ بين مئة ألف أنثى، تنتقل إلى صيغة المذكّر. لغةٌ، إذا خرجت عن اللائق في المطالبة، تُدان بالعنف، وتساق كدليلٍ على عدم الأهلية، الخروج، والتطرّف.

المرأة التي تطالب بحقوقٍ وتصيح بها وتغضب لأجلها، لا تولد كذلك. هي تكون قد وضعت موضع المساءلة كميّةً من الإعتداءات اليومية التي تستهدف النساء حكراً، من المشي في الشارع إلى العمل في مكتب، ومن الفكر إلى الجنس. يتنبّهن لهذه الإعتداءات، لا لأنها بعضٌ من ظلمٍ يتشاركنه مع بقية المجتمع، وإنما لأنها تضاف إلى الظلم الذي يتشاركنه مع بقية المجتمع. الفقر، البطالة، الأميّة، المرض، ... كلها، يتشاركنها. أما الباقة الخاصة بهنّ فتتطلّب منهنّ عمراً لفكفكتها، ولا تفكّك كلها، إذ أنها تأتي مدعّمة بإسمنتٍ صلبٍ يقيها شرّ التشكيك: العادات، التقاليد، الموروث، الأخلاق، الدين، البيروقراطية، ... سلطات بأدواتٍ معمّمة، من "خطبة الجمعة" إلى برنامجٍ فكاهيّ على التلفزيون، ومن قانون الأحوال الشخصيّة إلى ناموس الحياة اليوميّة.

الذكورية ليست رأياً نتخفّف منه بمجرد إختلافنا معه، هي وعاءٌ يحتوينا جميعاً، جميع مخارجه مكهربة، تتربّص بالساعيات والساعين إلى العبور، تلقننا دروساً لن ننسانها.

"نحن الموقعات أدناه"

تستجمع المرأة كامل قواها، لتشدّ نحو تغييرٍ في وضعها. وإذ، في معترك "طلوع الروح" اليوميّ، يرتأي رجالٌ، وهم كثيراً ما يرتأون، أن يثبّتوا أنهم طليعيون، يساريّون، ليبراليّون، حداثويّون، يبحثون عن العدالة في كلّ سياقٍ ليناصروها، عبر الإدلاء بدلوٍ حول الطريقة الأمثل التي يجب على المرأة أن تعتمدها للمطالبة بحقّ. معظم هذه "النصائح" تأتي لترسم خريطة طريقٍ بين حالين يجهلهما هؤلاء الرجال. خريطة طريقٍ للخروج من مُعاشٍ لا يعيشونه، وخريطة طريق تقود نحو واقعٍ لا يملكون تفاصيل تخيّله، إذ لا يقيم في العناوين العريضة. وعندما تخرج النساء عليهم ليخبرنهم عن مروحة من المُعاش والطموح والسكّة، تراهم يصرّون على إمتلاك الصواب، وعلى ضرورة أن تتعلمه النساء منهم إذا أردن تحقيق العدالة. يعودون ليصبحوا محور خطاب النساء وهو يجاهد لينوجد، متسلّحين هذه المرة بأن القوامة على لغة النساء تأتي من مناصرٍ لهنّ وليس من ذكوريّ. هذه التجربة هي سائدٌ معمّم في المواجهة مع الذكورية، وقد فنّدتها النسويات الأكاديميات، وباتت من ضمن المنهاج المقرّر في أيّ دراسةٍ ذات صلة بالجندر. فـ"تصحيح الخطاب" و"تخطيط الرجل" يأتيان من تقليدٍ مترسّخ في الذكورية، عابرٍ للقارات والثقافات والأديان، حتى ما عاد النساء يخطئنه لما يسمعنه، أكنّ من النسويات الباحثات أو استندن إلى خبرة الحياة اليومية. فكثيراً ما وجدن أنفسهن في مواقف يشترط فيها "متضامنون" ذكور تغييراً في أسلوب القول أو مضمونه، تغييراً في خيار الفعل أو أدواته، ليمنحوا النسويات تضامنهم. وهم بذلك لا يتضامنون وإنما يستعمرون المقاومة. وقد شهدت بيروت مؤخراً تجربةً شبيهة، ترافقت مع حملة تدين الوزير إيلي ماروني لـ:

  1. تحميله النساء مسؤوليةً في اغتصابهنّ
  2. رفضه إلغاء المادة 522 من "العقوبات" التي تعفي المغتصب من العقاب إذا تزوّج بضحيته
  3. تأييده لمنع المرأة من منح جنسيتها لعائلتها.

كتبت ناشطاتٌ نسويّاتٌ بياناً فنّدن فيه اعتداءات الوزير، وطالبنه بالإعتذار. وبينما انتفض حزبٌ سائدٌ كـ"الكتائب اللبنانية"، أبويّ البنية، شعاره يرسّخ المؤسّسات الذكورية الثلاث، "الله – الوطن – العائلة"، ليبرّئ نفسه من رؤى وزيره ويثبّت وجوداً يريده طليعيّاً في المعركة ضد المادة 522، أتت المساءلة من ناحية بعض "الرفاق". هذه المرة، شعروا بأن البيان استثناهم إذ أن لغته أتت مؤنثة ("نحن الموقّعات أدناه"). الحياة كلها، الأديان كلها، القوانين كلها، البيانات كلها، حتى تعليمات الإستخدام على المنتجات كلها (إلا الخاصة بالطبخ والتنظيف والتجميل) تأتي بالمذكّر. حيواتٌ بأكملها تراكمت وتمّ عيشها بالمذكّر. لم ينتبه "الرفاق" إلى ذلك، وإذا انتبهوا، فلم يمنعهم ذلك من المطالبة بتخصيص حيّزٍ للرجال في صوت البيان كي لا يشعروا بالإستبعاد. ما يعني أن اللغة إما تكون ذكوريّة كتلك البادية في الإستخدام السائد، أو تكون إقصائية إذا أتت بالمؤنث المتمرّد. لم ينتبه "الرفاق" إلى أنهم وضعوا على قاعدة المساواة لغتين، واحدة تثبّت ظلماً تاريخيّاً وأخرى تقاوم عبر رفع الظلم لا مفاوضته. ولم ينتبه "الرفاق" إلى أن التغيير الذي شعروا به عند سماع "نحن الموقعات أدناه"، يسبّب القلق لا لأنه " إقصائيّ" فقد سبقهم إلى توقيعه رجالٌ لم يشعروا بالإقصاء، وإنما لأن التغيير يترافق مع القلق. فالقلق يشير إلى خطر على الموجود، والموروث، والمسلّم به، فيدلّنا إليه. ويمكننا أن نستعين بالقلق لنستكشف ذواتنا. إذ لا نأتي من المريخ، وإنما من مجتمعاتٍ تقوم على التمييز (بين الرجل والمرأة، الغني والفقير، المسلمة والمسيحية، الشيعي والسنّي...). توقّف الرفاق عند تغييرٍ، وشعروا بأنه يأتيهم بما يقلقهم. لكنهم لم يراجعوا أسباب القلق، لم يشكّكوا في ردّ الفعل، وإنما بادروا إلى إسكاته عبر مساءلة البيان لا الذات، وصاروا "هم" محوراً في نقاشٍ حول الإغتصاب.

أساتذة وتلميذات

لا جديد تحت الشمس. هذه العادة مكرّسة في الذكورية، وفي المجتمع. وهي تُقرأ بلا جهدٍ من النساء، إن تماشين معها أو عارضنها. نحن يومياً يتم تلقيننا "الصح". من كيفية ركن السيارة إلى كيفية لصق الطابع على المغلّف. المستفيدون من التمييز صلبون في الدفاع عن مكتسباتهم وتثبيتها، عن وعي أو بلاه. ولذلك، تتأخر الحقوق (ما زلنا في مرحلة الدفاع عن الجسم، ولم ننتقل بعد إلى كيفية إستخدام هذا الجسم). شعر رفاقٌ بالقلق فبادروا إلى "تصحيح" البيان، والتلقين يأتي دائماً "لمصلحتكنّ". القلق أنبأهم بأن البيان لن يريح من "يجب" أن يتوجّه إليه كلّ بيانٍ نسويّ (الرجل الذكوريّ)، فصحّحوه. يقلقون، لمّا يظهر القول حرّاً. حرٌّ، يأتي من ندّية، يتمرّد ولا يتمنّى. فزعل الرفاق لمّا اتُهموا بالذكورية، كأنهم ولدوا خارجها ولا يفكّوا أحرفها. كأنهم سمكة اتُهمت بالطيران. وبدلاً من التفاعل مع ما ساقته النسويات من أفكار، فضّلوا الإستقرار في رأيهم، وبذل الغالي والرخيص في سبيل تأكيد صوابيتهم وخلوّهم التام من "فيروس" الذكورية.

إن تلقين الأطفال لغةً ينطقون بها هو واحد من سبل إدخالهم /ن إلى المجتمع وترويضهم /ن على علاقاته. والتعامل مع النساء كأطفال هو فعلٌ أصيلٌ في الذكورية، إن وعيناه أو ربطناه بالبديهيات. قاصراتٌ في العقل والمواطَنة، يقول المرجع المدنيّ للذكورية. القانون يمنع المواطِنة الأنثى من منح جنسيتها لعائلتها، على عكس المواطن الذكر الذي يقدر على منجها حتى لأولاد زوجةٍ أجنبيّة من زواجٍ سابقٍ لها. أما المعجم الدينيّ فلا يبخل عليهن بالدلال: ناقصات عقلٍ ودين، لا تتوجّه إليهن الكتب المساوية حتى بالتحيّة. الله لا يتوجّه للنساء بشكلٍ مباشر في أيٍّ من نصوصه، وإنما يخاطبهن عبر الأسوياء مكتملي النمو. خارج الكتب وفي موقعٍ أقرب من اليوميات، يلوح مشهد هؤلاء الرجال الذين يقفزون دائماً من الغيب ليشيروا بالأيدي لإمرأةٍ تركن سيارتها، يكرّرون النصيحة مرتين لكي تفهمه تلك التي تعاني من قصورٍ طفوليّ، "يمين يمين"، "ارجعي، ارجعي"، .. هم لا يأتون من كوكب الصدفة السعيدة، وإنما من تقليدٍ عميقٍ وطويلٍ صار ملتصقاً بالبديهيات، يوضح توزيع الأدوار، وعدم الرغبة بتغييره. ما يصحّ على السيارة، ينسحب على البيت والمكتب والشارع والبيان. هؤلاء الذين يقفزون عند كلّ قولٍ نسويّ ليصحّحوه، ينقّحوه، يدعّموه، يأقلموه، يشبهون رجال ركن السيارة. أفعالٌ كلها إيجابية تفيض منها رغبات المساعدة و/أو المساواة، لكنها، للأسف، لا تخدم هذه الرغبات. فمناصرة المساواة تقوم على مراجعة الذات. وُجهة الجهد داخليةٌ أولاً، فقد نشأنا في مستنقعٍ من الظلم، تنتشر فينا ترسباته. لذلك، لا أحد منا معصومٌ /ة عن الذكوريّة، ومن الذكوريّ عدم تقبّل ذلك.

النسويّات، في ردودهن على مصحّحي الصياغة، قدّمن مروحةً مختلفةً من ردود الفعل: بدءاً من استعراض نقاطٍ مفصّلة ومراجع نظريّة متاحة لمن تـ/ يشتهي، وصولاً إلى السخرية التهكميّة التي لا تتكلّف حتى عناء العصبيّة، مروراً باستغرابٍ غير بريءٍ من اللؤم. بدا الحوار كتمرينٍ تطبيقيّ يدلّ على أشدّ مراحل النقاش بين النسويّة والذكوريّة تقدّماً وطليعيةً في مجتمعنا. فقد دار بين نسويّاتٍ ورفاقٍ يطالبون بالمساواة، ولم تجرِ بين السائد والبديل. جميعنا في البديل، لا غرباء في النقاش. ولذلك، كانت مناسبةً للرصد والتفكيك. فواحدٌ من أمضى الأسلحة في يد الذكورية هو العنفوان الذي يأبى التراجع والتفكّر، والثقة المطلقة بصوابية الذات. وهي تكافئهما في الرجل "العنيد" الذي "لا يبدّل تبديلاً". من هنا، وعند كلّ لحظةٍ تستفيق فيها الثقة المطلقة بالذات، يبدو من المجدي أن يتوقّف المرء أمام نفسه، ويسألها: من أين تأتي هذه الصوابية، ونحن نعيش في هذا المستنقع؟