وثيقة:يوروفيجن: حين يغني الاستعمار على لحن التعددية الجنسية والجندرية

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

Circle-icons-document.svg
مقالة رأي
تأليف عمر الخطيب
تحرير غير معيّن
المصدر متراس
اللغة العربية
تاريخ النشر 2019-05-09
مسار الاسترجاع https://metras.co/يوروفيجن-حين-يُغني-الاستعمار-على-لحن-ا/?fbclid=IwAR2LAdy4SqnLZiQz-gJLoXR2wsgI40416nmoZc91KEKjDkstXUiYJXmDUGU
تاريخ الاسترجاع 2019-05-14
نسخة أرشيفية https://archive.fo/pp6YR



قد توجد وثائق أخرى مصدرها متراس



أحداث قليلة في العالم تجمع ملايين المتابعين وتثير صخباً ونقاشاً حامي الوطيس. وإن كان "المونديال" والألعاب الأولمبيّة يتربّعا على عرش الأحداث الرياضيّة، والأوسكار على عرش السينما، فلا شكّ أن مسابقة الأغنية الأوروبيّة "يوروفيجن" Eurovision هي واحدة من الأحداث الأهم عالميّاً في صناعة الموسيقى.

ال"يوروفيجن"، مسابقة يتابعها ملايين المشاهدين على مدار أسبوعٍ، وتتضمّن عروضاً حيّة في الدولة المستضيفة، تُبثُ عبر وسائل الإعلام العالميّ وعبر موقع المسابقة على الإنترنت. ذلك بالإضافة إلى سفر الآلاف للبلد المستضيف لحضور أحداث المسابقة. وقد ألقت جولة القتال الأخيرة بين دولة الاحتلال والمقاومة في غزّة ضوءاً سياسيّاً على هذه المسابقة التي أصبحت إحدى مكامن الضغط على "إسرائيل". إلا أن هذه ليست المرّة الأولى التي تكون فيها المسابقة مسرحاً للتوتّرات السياسيّة، وساحةً لتمثيلات علاقات القوى بين الدول، ولحروبٍ سياسيّةٍ ودبلوماسيّةٍ ناعمةٍ.

تُنظّم مسابقة "يوروفيجن" سنويّاً باشتراك الدول الأعضاء في "اتحاد البثّ الأوروبيّ"، والذي يضم إذاعات وقنوات تلفزيونيّة حكوميّة وخاصّة، ويبلغ عدد الدول المنضوية تحته 59 دولة، تضمّ الدول الأوروبيّة إضافةً إلى دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط. ترشّح كلُّ واحدة من هذه الدول أغنيةً واحدةً للمنافسة، وتكسب الدولةُ الفائزةُ استضافةَ الدورة التالية للمسابقة.

انضمّت دولة الاحتلال الإسرائيلي للمسابقة للمرّة الأولى عام 1973، واستضافت المسابقة ثلاث مرّات، أوّلها عام 1979 ثم عام 1999، أما المرّة الثالثة فهي في الأيّام القريبة الآتية. أما الدول العربيّة فهي، رغم عضويّتها في الاتحاد، لا تشارك في المسابقة بسبب مشاركة الاحتلال فيها، باستثناء عام 1980، حينها شاركت المغرب بأغنيةٍ للمغنية سميرة سعيد بعنوان "بطاقة حب"، وذلك بعد أن تغيّبت "إسرائيل" عن المسابقة.

كيف تحوّلت المسابقة إلى حدث كويري… وفي خدمة من؟

يُدرك متابعو المسابقة حول العالم أنها تحوّلت، في العقود الثلاثة الأخيرة تحديداً، إلى حدثٍ عالميٍّ للاحتفاء بالهويّات الجنسيّة و الجندريّة. إذ تصاعد خلال السنوات الأخيرة في المسابقة خطابُ التعدّديّة والتسامح مع التجارب الجنسيّة والجندريّة المختلفة، وقد وصل ذروته عام 1997 مع اشتراك الفنّان الآيسلنديّ مثليّ الجنس بول أوسكار.

من بعده، كان للحضور الإسرائيليّ أثرٌ واضحٌ في إبراز هذه القضايا في المسابقة، وذلك من خلال المشاركة الإسرائيليّة المتحوّلة جنسيّاً دانا انترناشينال، والتي فازت في المسابقة عام 1998. ومن ثمّ في نسخة المسابقة عام 2000، إذ جذبت الفرقة الإسرائيليّة أضواءً عالميّةً بعد أن تبادل عازفان إسرائيليان مثليان قبلةً على المنصة أثناء أداء الأغنية. يُذكر في هذا السياق أن الفرقة كانت قد رفعت أثناء أداء أغنيتها العلمين الإسرائيليّ والسوريّ "كرسالةٍ للسلام بين الشعبين".

في هذا السياق، يمكن اعتبار مشاركة الفنّانة المتحوّلة جنسيّاً، دانا انترناشنال، عام 1998 وفوزها باللقب، حلقة وصلٍ هامّة بين السياسات الاستعماريّة الإسرائيليّة من جهة، والقضايا الكويريّة من جهةٍ أخرى.1. فقد اعتُبر فوز الفنّانة في حينه "إنجازاً" كبيراً في مجال حقوق الكويريين عموماً والمتحوّلين جنسيّاً تحديداً. ارتكز النقاش في حينه حول مساهمتها في كسر الصورة النمطيّة السائدة حول المتحوّلات جنسيّاً، ودعوتها للمساواة بين جميع النساء. ويرتبط الوزن السياسي لحضورها بأنه "كلّل" عقداً تقدّمت فيه "إسرائيل" في مجال حقوق المثليين، حيث ألغت تجريم المثليّة الجنسيّة في القانون عام 1988، وبدأت بتنظيم "مسيرة الفخر المثليّة" عام 1993، وغيرها. هكذا، وفي الذكرى الخمسين لما يُسمى "استقلال" دولة الاحتلال، أي عام 1998، تحوّل ظهور الفنّانة إلى تمثيلٍ قويّ الرمزيّة لصورة الاستعمار الصهيونيّ في أوروبّا والعالم باعتباره كياناً "منفتحاً" و"تقدميّاً" في مواجهة "التخلّف".

هنا، يبرز بشكلٍ جليّ أنّ احتفاء "يوروفيجن" بالكويريّة يرتبط بسياسات استعماريّة قوميّة تحكمها عقليّة التفوّق الأوروبيّ الأبيض، وتتعامل مع كل ما هو "غيرها" بذهنيّة الاستعلاء والاستشراق التي تخلق ثنائيّة "التقدّم" و"التخلّف". وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى أن تتوحّد السياسات الجنسيّة والجندريّة مع سياسات عنصريّة.

شكّلت هذه المسابقة أداة سهلة ورخيصة لإعادة صياغة مفاهيم تتعلّق بالحرب والسلام والديمقراطيّة وحقوق الإنسان.2. من ضمن ذلك خلق الثنائيات القومية العنصريّة؛ بين أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية بدايةً، ثم أوروبا وروسيا لاحقاً، ثم وسيلة لشيطنة المجموعات العرقية والدينيّة المختلفة من أفارقة أو آسيويين أو مسلمين في أوروبا مع تصاعد موجات اليمين العنصري مؤخراً.

على النمط ذاته، استثمر الاستعمار الصهيونيّ في مسألة التعدّدية الجنسيّة والجندريّة وجيّرها لصالح أيديولوجيّته العنصريّة في مساعٍ يُطلق عليها اسم " الغسيل الورديّ". وهو المصطلح المعروف لوصف التغطية على جرائم وعنف كيان سياسي ما من خلال الترويج لنفسه على أنه صديق للمثليين وحامٍ لحقوقهم، "إسرائيل" أفضل من فعل ذلك.

بلال حسّاني… "فرنسيّ معاصر" في تل أبيب

أحد الأمثلة الأبرز على خطاب الفوقيّة البيضاء الذي يتشكّل في مسابقة يوروفيجن، هو اختيار الشاب الفرنسيّ من أصول مغربيّة بلال حساني لتمثيل فرنسا في المسابقة هذا العام. إلى جانب أصوله الإثنية وخلفيته الدينية، أعلن بلال عام 2017 أنّه مثليّ الجنس، إضافة إلى عرضه على المسرح بتعبير جندري غير نمطي بارتدائه شعراً مستعاراً. أثارت مشاركة بلال موجات من العنف والتنمر الإلكتروني ضدّه بسبب هويّته الجنسيّة ومظهره الخارجيّ، ما أدّى إلى تسويق مشاركته على أنّها "تحدٍ للعنف والكراهية والرجعية" بخطابٍ إسلاموفوبيّ كارهٍ للعرب، وبطريقةٍ مضمرة أحياناً وظاهرة في أحيان أخرى. تم تصويره في أحسن الأحوال على أنّه "ممثلٌ للهوية الفرنسية المعاصرة" المتسامحة مع الهويات القومية والجندريّة المختلفة، في استغلال واضح للقضية لأهداف سياسيّة.

في خضمّ هذا كلّه، ظهرت في النقاش قضيّةُ دولة الاحتلال والغسيل الورديّ، أولاً بانتشار تغريدة لبلال منذ عام 2014 ينتقد بها "إسرائيل" ويَصِفها بالمجرمة، وثانياً بتوجيه نشطاء فلسطينيّين وأوروبيّين دعوة له لمقاطعة المسابقة في "إسرائيل" كونها دولة استعماريّة عنيفة. ما كان من حسّاني سوى أن تجاهل هذه الدعوات تماماً، واعتذر عن تغريداته السابقة التي كتبها "عندما كان صغيراً وساذجاً" على حدّ قوله. مع وصوله إلى تل أبيب، التقى حسّاني بتنظيمات إسرائيليّة مثليّة شجّعته على تجاهل دعوات مقاطعة "إسرائيل".

أما مساعي الغسيل الوردي الإسرائيليّ في المسابقة، فلا تتوقّف هنا، بل تشمل أيضاً ربط احتفالات المسابقة بفعاليات أسبوع الفخر المثليّ الإسرائيلي، حيث يجد السائح أو الزائر فعاليات واحتفالات وجولات كثيرة تنظّم كجزء من البرنامجين، وصولاً إلى تفاصيل تتعلّق بإدارة المسابقة، منها أن يكون أحد مقدّميها مذيعاً إسرائيليّاً مثليّاً. كما يتزامن هذا كلّه مع احتفالات ما يُسمى "استقلال إسرائيل".

الفلسطينيّون في المعادلة

لم يغب الفلسطينيون عن هذه المعادلة. بدايةً، انتشر على شبكة الإنترنت فيديو يُنسب لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزّة، يحمل رسالة باللغة العبريّة مفادها أن دولة الاستعمار مطالبة بالالتزام بالاتفاقيّات والتفاهمات لتنعم بالاحتفال في المسابقة. فيما يشير إعلان القناة 12 الإسرائيليّة عن نشر عددٍ من بطاريّات القبّة الحديديّة تحسباً لإطلاق صواريخ من قطاع غزّة خلال المسابقة، إلى أن "إسرائيل" أخذت هذه التهديدات على محمل الجد.

من جانب آخر، أصدر عدد من المجموعات الفلسطينية الكويريّة دعوة مبكّرة لمقاطعة المسابقة، وقّع عليها ما يزيد عن 100 مؤسسة ومجموعة كويريّة حول العالم، رابطة ما بين تنظيم المسابقة إسرائيليّاً وسياسات الغسيل الورديّ التي ينتهجها الاستعمار. ضمّت هذه المؤسسات مؤسسة القوس للتعددية الجنسية والجندرية، وأصوات- المركز الفلسطيني للحريات الجنسية والجندرية، إضافة إلى مجموعة Pinkwatching Israel المشكّلة من نشطاء فلسطينيين وعالميين في الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (PACBI). في مبادرة أخرى، دعت مجموعة من الفنانين الفلسطينيين إلى مقاطعة المسابقة، وتحديداً الفعاليّة الرئيسة الختاميّة منها، مقدّمين عرضاً فنيّاً مباشراً على شبكة الإنترنت في نفس الموعد، يشمل أداء فنانين مختلفين على مدار أربع ساعات.

أيّام قليلة تفصلنا عن بدء فعاليّات المسابقة على أرضنا المحتلّة، احتفاءً باستعمارٍ ينكّل بشعبنا. ملايين حول العالم ستتجه أنظارهم إلى الكيان الصهيونيّ، وما لنا إلا أن نستمر في المقاومة، لئلا يبتلعنا الاستعمار وترفيهه ورديّ اللون.

يُنشر المقال ضمن تعاونٍ بين متراس و مؤسسة القوس للتعدّديّة الجنسيّة والجندريّة.


هوامش

  • “كوير” (Queer) هو مصطلح جامع يعبر عن المثليّات/ين والمتحوّلات/ين جنسياً وجندرياً وثنائيي الميول الجنسية، وغيرها من التوجّهات الجنسية والجندرية المختلفة. يُشتق المصطلح من “النظرية الكويرية” التي ظهرت في الأكاديمية بداية التسعينيّات وتحوّلت لاحقاً لتوجّه سياسيّ يحيل إلى كل ما هو مخالف للسلطة أو المنظومة الاجتماعية السائدة..

ثمّة أدبيّات نظريّة متماسكة حول استخدام قضايا التعددية الجنسيّة والجندريّة في الصراعات والقوى الدوليّة، وفي استخدامها بشؤون الحرب والتدخل الدولي وتغطية الجرائم الدولية، يمكن ذكر أبرزه مفهوم “القومية المثلية” الذي صكّته الباحثة جاسبار بوار. لقراءة المزيد: Puar, Jasbir. Terrorist Assemblages Homonationalism in Queer Times. (Duke University Press: 2007).