تقاطعية

من ويكي الجندر
(بالتحويل من التقاطعية)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

تقاطعية(أيضا: نظرية التقاطعية) نظرية نسوية طرحتها الباحثة القانونية النسويّة كيمبرلي كرينشو لتحليل تجارب النساء الملونات، وتقاطع التفرقة العرقية والجندرية التي تواجهها النساء الملونات على مستوى النظام القانوني والقضائي والحق في الخدمات العامة والقدرة على النفاذ إليها. تطوّرت النظرية بعد ذلك لتشمل جميع تقاطعات أشكال وأنظمة القهر والهيمنة و التمييز، وتقاطعها مع الجندر (النوع الاجتماعي) والإثنية واللون والطبقة الاقتصادية والاجتماعية و الميل الجنسي والتوجه الجندري والقدرات العقلية والجسدية، لتفكيك وفهم تجارب النساء المركبة. (بالإنجليزية: Intersectionality)

الجذور التاريخية لنظرية التقاطعية

ظهرت البوادر الأيديولوجية التي شكلت فيما بعد مفهوم التقاطعية مع بدء تشكيل الأفكار الأساسية للنسوية السوداء في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي نشأت كاستجابة للموجة النسوية الثانية، بعد تنامي شعور النساء السود والنساء الملونات بالاغتراب في صفوف حركة النساء في الستينات والسبعينات من القرن العشرين.

وأشار تعريف مركز دعم لبنان إلى أن فكرة التقاطعية:

شكّلت استجابة بالغة الأهمية للموجة الأميركية الثانية، التي ضمّت النسويات الليبراليات والبيض اللواتي ينتمين إلى الطبقة الوسطى اللواتي اعتمدن مفهومًا عالميًا عن التضامن النسوي. وعبر التركيز فحسب على القمع القائم على النوع الاجتماعي و النظام البطريركي، والمطالبة في الوقت عينه بتضامنٍ نسوي متساوٍ في محاربته، أخفَت النسوية الليبرالية البيضاء الاختلاف العنصري وعدم المساواة العرقية بين النساء. ولا تزال دينامية سلطةٍ غيرُ متكافئة ومماثلةٌ موجودةً تحت أشكالٍ عديدةٍ من الحركات النسوية العابرة للحدود، حيث تَستخدم نسويات أوروبا وأميركا الشمالية وحكوماتهنّ حقوق المرأة العالمية باعتبارها قضيةً مشتركةً لتبرير السياسات الإمبريالية، بما في ذلك التدخّل العسكري في ما يُسمّى بالدول النامية، كما كان الحال في الخطابات المؤيِّدة للحرب في أفغانستان والعراق [1]

فيما يلي نتوقف عند محطات تاريخية مهمة في نشأة النظرية وتطورها:

الموجة النسوية الثانية في الولايات المتحدة الأمريكية

عملت الموجة النسوية الثانية على المطالبة بتجريم الاغتصاب الزوجي، وزيادة التوعية بالعنف المنزلي، وبناء ملاجئ للنساء اللاتي يتعرضن للعنف المنزلي والاغتصاب. بالإضافة لذلك، عملت على تشريع قوانين لمناهضة التحرش الجنسي في أماكن العمل. كذلك ناضلت من أجل حق النساء في الاحتفاظ ببطاقات الائتمان واستخراجها بأسمائهن الخاصة، وحقهن في التقدم للحصول على قروض عقارية.

وقد حققت حركة النساء بعض المكتسبات التشريعية والقانونية مثل تشريع قانون المساواة في الأجور الصادر سنة 1963، والذي يجرم التفرقة في الأجور على أساس الجنس. كما أعطت سلسلة من الأحكام الصادرة من المحكمة العليا الحق في استخدام وسائل منع الحمل للكثير من النساء المتزوجات وغير المتزوجات أيضًا، في الستينات والسبعينات من القرن العشرين.

كانت أفكار وأهداف حركة النساء في الموجة النسوية الثانية تتمحور حول تغيير النظرة المجتمعية للنساء وأدوارهن التي كانت محصورة فقط في الإنجاب والعمل المنزلي، حيث اهتمت بشدة أن تعمل على تحدي التمييز الجنسي المنهجي الراسخ في المجتمع، وذلك من خلال تحدي المعايير الاجتماعية التي كانت تكرس كون أدوار النساء أدوار هامشية ومنزلية فقط.

لم يكن اكتساب الحق في العمل خارج المنزل مصدر اهتمام كبير للنساء السود المنخرطات في حركة النساء آنذاك، فبالرغم من أن كلًا من النساء السود والنساء البيض أجمعن على النضال من أجل حقهن في استخدام وسائل منع الحمل وحقهن في الإجهاض، إلا أن النساء السود اهتممن أيضًا برفع مطالب متعلقة بوقف التعقيم القسري للسود والملونات والملونين ولذوي الإعاقة، الأمر الذي لم يُشكل أولوية للنساء البيض المهيمنات على الحركة.[2]

المنظمة الوطنية النسوية السوداء

نتيجة تهميش مطالب وأدوار النساء السوداوات في حركة النساء أثناء الموجة النسوية الثانية قررت بعض النسويات السود تنظيم أنفسهن في المنظمة الوطنية النسوية السوداء (National Black Feminist Organization NBFO). كان إعلان تأسيس المنظمة في مايو 1973، ثم فُتح باب الانضمام إلى المنظمة في 15 أغسطس 1973.[3]

واشتمل البيان التأسيسي للمنظمة الوطنية النسوية السوداء على نقدٍ لحركة النساء أثناء الموجة النسوية الثانية، كما ذُكرت بعض من الأفكار التي أسست عليها المنظمة، والتي تركز بالأساس على أهمية النضال العرقي والنضال ضد الهيمنة البيضاء وأيضاً النضال ضد التفرقة الجنسية وضد الأبوية في آن واحد:

"إن الصورة الإعلامية المشوهة التي يهيمن عليها الذكور لحركة تحرر النساء قد عتّمت على أهمية تلك الحركة المحورية والثورية لنساء العالم الثالث، خاصةً النساء السود. لقد وُسمت الحركة بأنها ملكية حصرية لنساء الطبقة الوسطى البيضاوات، وكان انخراط أي نساء سود في الحركة يعتبر بمثابة إقصاء وتقسيم عرقي ومجموعة أخرى من الصفات السيئة للحركة (…) لقد عانت النساء السود بقسوة في هذا المجتمع بسبب عيشهم ظاهرتي أن يكن نساءً وسوداوات في مجتمع عنصري وذكوري (…) لكن التاريخ، الماضي والحاضر، نادرًا ما يتعامل مع الاستغلال الوحشي الواقع على عاتق النساء السود، فدائمًا ما يرانا السّيد كمربيات، وتعاملنا زوجة السّيد بازدراء، ويرانا أزواجنا وأحباؤنا كمخصيات (…) لقد أدركنا، كنسويات سوداوات أهمية تنظيم أنفسنا في منظمة نسوية سوداء مستقلة (…) سنعزز كل جهود حركة تحرر السود الحالية من خلال حث كل مواهب وإبداعات النساء السود على الظهور بقوة وجمال، من دون أن يشعرن بالذنب أو بأنهن سبب الانقسام، وأن يتولين المناصب القيادية والشرفية في مجتمع السود. سوف نشجع مجتمع السود على التوقف عن الوقوع في فخ يسار الرجل الأبيض، الذي يستخدم النساء فقط لتلبية الاحتياجات المنزلية والخدمية. سوف نستمر في تذكير حركة تحرير السود أنه من المستحيل أن يتحقق التحرر فقط لنصف العرق. يجب علينا، كشعب، أن نعمل على القضاء على العنصرية التي تحاول أن تقضي علينا كشعب بأكمله، ولكن يجب علينا أيضًا أن نتذكر أن الذكورية تدمرنا وتعطلنا من الداخل."[4]

حققت المنظمة الوطنية النسوية السوداء عضوية كبيرة وصلت إلى 2000 شخصًا، ولكنها لم تدم كثيرًا بسبب اختلاف الخلفيات السياسية التي جاء منها الأعضاء، بالإضافة للخلافات حول الاستراتيجيات والتكتيكات التي يجب أن تتبعها المنظمة، ولذلك فشلت المنظمة الوطنية النسوية السوداء في التنظيم بشكل فعّال وفي تحويل الأفكار المثالية لعمل تعاوني جماعي، وانتهت سنة 1976.[3]

مجموعة كومباهي ريفر

في خضم حركة النسويات السود ومع بدايات تنظيمهن، تشكلت مجموعة كومباهي ريفر (Combahee River Collective CRC)، حيث التقت مؤسسات المجموعة في إطار عضويتهن في المنظمة الوطنية النسوية السوداء سنة 1973، وبعد مرور حوالي سنة على لقائهن الأول بدأن في الاجتماع بشكل منتظم في بوسطن وماسَتْشْوسِتْس، وفي سنة 1974 قررن أن يشكلن مجموعتهن التي انفصلت عن المنظمة لاعتقادهن بأن المنظمة الوطنية النسوية السوداء لم تعط الأهمية الكافية للمثلية السوداء وشعرن بأنها ليست راديكالية بشكل كاف لتحقيق التغيير اللازم الذي ارتأينه.[5]

ناقش البيان التأسيسي لمجموعة كومباهي ريفر الكثير من المبادئ والأفكار التي بُنيت عليها نظرية التقاطعية فيما بعد، فقد أعلنت المؤسسات في بداية بيانهن أنهن ملتزمات بالنضال ضد القهر القائم على أساس العرق والجنس والمغايرة الجنسية والطبقة. كما تحدثن عن خلفياتهن التاريخية وانخراطهن في حركات تحرر السود كحركة الحقوق المدنية ومنظمة الفهود السود، وأن تجاربهن في حركة تحرر السود وحركة تحرر النساء هي ما أظهرت لهن الحاجة إلى صياغة سياسات مناهضة للعنصرية (على عكس النساء البيضاوات) ومناهضة للأبوية (على عكس الرجال البيض والسود) في آن واحد.

بالإضافة لذلك، أعلنّ عن إيمانهن بأنّ تحرُّر الشعوب لن يأتي إلا بتحطيم النظم السياسية والاقتصادية للنظام الرأسمالي والامبريالي، وكذلك النظام الأبوي. كما أعلنَّ أنهن اشتراكيات لأنهن مؤمنات بأنه يجب توظيف العمل من أجل المصلحة الجماعية لمن يعملون ويقومون بالإنتاج، وليس من أجل أرباح أرباب الأعمال. وناقشن وجوب توزيع الموارد بالتساوي ما بين الذين ينتجون تلك الموارد، ولكنهن في نفس الوقت أعلنّ أنهن غير مؤمنات بأن الثورة الاشتراكية يمكنها أن تضمن تحريرهن إذا كانت لا تتضمن ثورة نسوية ومناهضة للعنصرية.

و كذلك ناقشن أهمية تطوير فهم العلاقات الطبقية، حتى تأخذ بعين الاعتبار الوضع الطبقي الخاص بالنساء السود اللاتي دائمًا ما يكنّ مهمّشات في صفوف القوى العاملة، وأوضحن أن هناك حاجة شديدة لرؤية الوضع الطبقي للأشخاص الذين يلعب القهر الجنسي والعرقي أدوارًا محورية في حياتهم العملية والاقتصادية. وأوضحن اتفاقهن مع نظرية ماركس ولكنهن عبّرن عن أهمية تطوير تلك الأطر التحليلية لفهم وضع النساء السود الاقتصادي والطبقي.

كما أشرن لأن القمع الواقع عليهن كنساء سوداوات متجسد في سياسات الهوية، وأوضحن أن السياسات الجنسية المتبعة في ظل الأبوية ملموسة في حيوات وخبرات النساء السود كما هو الحال مع السياسات الطبقية والعرقية، وأيضًا أعلنّ عن تمسكهن بمبدأ "الشخصي سياسي"، وأن نشاطهن السياسي ونضالهن مستمد من تجاربهن الحياتية.[6]

تقاطعية كيمبرلي كرينشو

ظهرت نظرية التقاطعية كنظرية أساسية في الفكر النسوي، بعدما صاغتها النسوية الأميركية السوداء كيمبرلي كرينشو في ثمانينيات القرن العشرين في ورقتها "استكشاف الهامش: التقاطعية، سياسات الهوية والعنف ضد النساء الملونات" (1989)، وتناولت فيها نوعين محدّدين من التفرقة المتعدّدة المستويات: التفرقة العرقية والتفرقة الجندرية – اللتان تواجههما النساء السود في الولايات المتحدة الأمريكية. وتستخدم كيمبرلي كرينشو في أحيان كثيرة تشبيهًا معينًا لشرح التقاطعية، فتقول: "التقاطعية هو ما يحدث حينما تحاول إحدى السيدات من الأقليات أن تجوب التقاطع الرئيسي في المدينة.. والطريق السريع الأساسي هو طريق التمييز العنصري، ويمكن لأحد هذه الشوارع المتقاطعة أن يكون الاستعمار، والآخر أن يكون شارع النظام الأبوي، و لذلك فهذه السيدة يجب أن تتعامل مع أكثر من صورة قمعية (حيث يمكن أن يكون قمعًا ثنائيًا أو ثلاثيًا أو متعدد الأبعاد) وليس فقط مع أحدها".[7]

كيمبرلي كرينشو

وفي محاضرة ألقتها كيمبرلي كرينشو في إطار فاعليات تيد توك (Ted Talk)، تحدثت عن أهمية وجود إطار نظري يمكننا من خلاله أن نشرح تداخل أنظمة القهر المختلفة وتأثيرها على حيواتنا اليومية، فتقول أنه بدون إطار يسمح لنا برؤية الطرق التي تؤثر بها المشاكل الاجتماعية على كل أفراد مجموعة مستهدفة، سيقع الكثيرون منا في إطار الحركة وشقوقها، وسيُتركوا للمعاناة في عزلة. وتوضح أنه إذا كانت الحقائق لا تتناسب مع الأطر الموجودة بالفعل فإنّ الأشخاص حينها يواجهون مشكلة عويصة عند محاولتهم دمج تلك الحقائق في طريقة تفكيرهم في مشكلة ما مطروحة.

كما تحدثت عن التجربة التي ولّدت التقاطعية، وهي قضية إما دجرافنريد (Emma Degraffenreid)، التي كانت امرأة عاملة من أصول أمريكية أفريقية، وأمّا. تقدمت إما لوظيفة في مصنع لتصنيع السيارات المحلية، ورُفض تعيينها في الوظيفة. فرفعت على إثر ذلك دعوى قضائية على إدارة المصنع لأنها رأت أن قرار رفض تعيينها كان بسبب كونها امرأة سوداء، لكن قاضي المحكمة قضى برفض دعوتها، حيث رأى أن المصنع يقوم بتعيين السود والنساء.

تستكمل كيمبرلي كرينشو حديثها مجادلة أن ما لم يفهمه قاضي المحكمة هو أن السود الذين يُعينون للعمل -- وغالبًا في مهام الصناعة والصيانة -- كانوا رجالا حصرا، بينما النساء اللاتي غالبًا ما تعُيَّنَّ في مهام السكرتاريا كن بيضاوات حصرا، وهذا ما كانت تحاول إما شرحه للمحكمة. تقول كيمبرلي إنه إذا كانت المحكمة قادرة على رؤية كيفية اجتماع تلك السياسات معًا فلربما صارت قادرة على رؤية التمييز المزدوج الذي تعرضت له إما، فلقد رفضت المحكمة منح إما الحق في تقديم دعوى مبنية على سببين في آن واحد، ورأت أنها إذا سمحت لها بذلك فسيكون بمثابة معاملة تفضيلية.

من ثم تتساءل كيمبرلي عن سبب الظلم الذي مارسه القانون برفضه حماية امرأة أمريكية أفريقية سوداء، وأجابت قائلة إن ذلك لم يحدث لسبب غير أن تجارب النساء السود ليست متطابقة تمامًا مع تجارب النساء البيض أو الرجال السود، فالرجال السود والنساء البيض لم ولن يحتجن أبدًا للدّمج ما بين العرق والجنس في شكوى قد يقدمونها ضد التمييز الواقع عليهن وعليهم، فبدلاً من أن توسّع المحكمة الإطار التي تنظر من خلاله قضايا التمييز لكي يشمل النساء الأمريكيات الأفريقيات، اختارت أن ترفض دعوى إما بكليتها، وهذا ما أشعر كيمبرلي بأنها حالة عدم عدالة مضاعفة، ففي المستوى الأول رُفض تعيين امرأة سوداء، وفي المستوى الثاني ضاعفت المحكمة ذلك الإقصاء عندما لم ترفقه بعواقب قانونية.[8]

كذلك في مقابلة مع كمبرلي نُشرت على موقع كلية الحقوق بجامعة كولومبيا بتاريخ 8 يونيو 2017، أي قُبيل الاحتفال بالذكرى العشرين على تأسيس منتدى السياسة الأمريكية الأفريقية، تحدثت عن رؤيتها للتقاطعية قائلة:

التقاطعية هي عدسة، تستطيعين من خلالها رؤية المصادر التي تأتي منها السلطة وتتصادم، وكيف تتداخل تلك المصادر وتتقاطع. الموضوع ليس ببسيط، فهو ليس مجرد وجود تمييز على أساس العرق هنا أو تمييز على أساس النوع هُنا أو تمييز على أساس الطبقة أو الميول الجنسية والهويات الجندرية هُناك. في كثير من الأحيان يمحو الإطار التحليلي ما يحدث حقًا للأشخاص اللاتي والذين يعانون من هذه البنى الاجتماعية.

ينظُر بعض الناس للتقاطعية على أنها نظرية كبيرة لتحليل كل شيء، ولكن هذه لم تكُن نيتي. إذا كان أحدهم يفكر كيف يُقنع المحكمة بألا تتغاضى عن قضية ترفعها امرأة سوداء فقط لأن صاحب العمل يوظّف السود من الرجال بينما لم يوظّف من النساء غير البيضاوات حصرا، حسنًا، هذا ما كانت الأداة (التقاطعية) مُصمّمة لفعله. إذا نفعت تلك الأداة في العمل فهذا أمر عظيم، وإن لم تنجح في العمل، فلست مجبرًا على استخدامها.

الإشكالية الأخرى هي أن التقاطعية تُوظّف أحيانًا للقول بأن "الواقع مُعقد ومركّب". لكن هذه العبارة تستخدم أحيانًا كذريعة لعدم فعل أي شيء لتحسين الواقع. نحن في ملتقى السياسة الأمريكية الأفريقية وفي مركز الدراسات التقاطعية والسياسات الاجتماعية نحاول أن نتخطى هذه الفكرة.

نحن نسعى إلى تحويل الأفكار إلى أدوات عملية يُمكن أن تستخدمها المدافعات والمدافعون الحقوقيون والمجتمعات أيضًا. و جانب من هذا العمل هو للتثقيف العام. نحن نستخدم الفن والمشاريع الأخرى لإظهار كيف يعاني الناس من أضرار متقاطعة، مثل أمهات النساء اللواتي تقتلهن الشرطة، أو الفتيات الصغيرات اللاتي طُردن من المدرسة. نحن نعمل مباشرة مع المدافعات والمدافعين والمجتمعات لتطوير طرق يمكنهم من خلالها رؤية هذه المشاكل بشكل أفضل والتدخل بشكل أفضل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان.[9]

وفي محاضرة أخرى ألقتها، منشورة بتاريخ 14 مارس 2016، أوضحت كيمبرلي كرينشو أن العديد من الناس قد أساؤوا فهم التقاطعية بظنّهم أنها تناقش فكرة الهويات المتعددة، فأصبح كل شخص يعد كم هوية له، ولكنها أوضحت فيما بعد أن ما كانت تعنيه بالتقاطعية لم يكن بشكل مبدئي خاصًا بالهويات، ولكنه كان متعلقًا بالطريقة التي تجعل بها البنى الاجتماعية بعض الهويات أكثر هشاشة من غيرها. وتستكمل قائلة أنه إذا رغب أحد في معرفة كم عدد من التقاطعيات مهم، فعليه أن ينظر من حوله، وعليه أن يتساءل حول السياق وعن أنواع التمييز المختلفة التي تُمارس في هذا السياق، وعليه أن يتساءل أيضًا عن السياسات المُتّبعة في هذا السياق وعن البنى المؤسسية التي تلعب دورًا يساهم في إقصاء بعض الأشخاص دونًا عن آخرين.[10]

وفي ورقتها الجوهرية التي قدّمت لنظريتها التقاطعية، "استكشاف الهامش: التقاطعية، سياسات الهوية والعنف ضد النساء الملونات"، ناقشت كيمبرلي كرينشو ثلاثة جوانب للتقاطعية: التقاطعية البنيوية والتقاطعية السياسية والتقاطعية التمثيلية. في الجانب الأول، التقاطعية البنيوية، ناقشت كيمبرلي أن الطريقة التي تختبر بها النساء الملونات العنف المنزلي والاغتصاب تختلف نوعيًا عن الطرق التي تختبر بها النساء البيضاوات نفس الانتهاكات. وفي الجانب الثاني، التقاطعية السياسية، بحثت كيف قامت القوانين المناهضة للعنف الجنسي والمناهضة للعنصرية بالحد من ظهور تجارب العنف الواقعة على النساء المُلونات. وفي الجانب الثالث، التقاطعية التمثيلية، بحثت كيف تعطي ثقافة البوب صورًا نمطية عن النساء الملونات، تحجب التجارب الحياتية الحقيقية التي يخضنها.[11]

تطور النظرية

مع الوقت تطوّر استخدام التقاطعية كأداةً توضح محاور القمع المتقاطع، وباتت تستخدم في نطاق أوسع لإظهار التفاعل بين النوع الاجتماعي والعرق والطبقة وفئات أخرى كالعمر أو الجنسانية أو الإعاقة في الحياة الفردية والاجتماعية، بدلا من تقاطعات العرق والنوع الاجتماعي فقط[1]، لتوضح كيفية ترابط كل المؤسسات القمعية (العنصرية، التمييز على أساس الجنس، رهاب المثلية الجنسية، رهاب العابرات/ين جنسيًا، التمييز ضد ذوي الاحتياجات الخاصة، الطبقية، وكراهية الأجانب... ألخ).

كما تؤكد التقاطعية أنه لا يمكن التعامل مع مؤسسة قهرية دون التعرض لغيرها لأن كل فرد يتشكل من عدة هويات. وليس معنى ذلك أن هذه التقاطعات كلها تلغي فكرة وجود تمييز جنسي تعاني منه كافة نساء العالم بدرجات مختلفة وأشكال مختلفة، فهناك "تقاطع" بين هذه القضايا وليس "وحدة" بينها.[7]

ومؤخرًا شهدت كلمة "التقاطعية" شهرة واسعة ومحاولات لتضمين النظرية في كتابات ومشاريع وسياسات العديد من المؤسسات، ومنها الأمم المتحدة التي تبنت المفهوم السائد للتقاطعية والذي يشمل فقط النوع الاجتماعي والعرق والطبقة.[1]

نقد النظرية

بحسب مركز دعم لبنان في إصداره "قاموس الجندر"، كان أحد أبرز الانتقادات التي وُجهت لنظرية التقاطعية اعتمادها الشديد على فئات تحليلية واضحة وراسخة ظاهريًا، كالعرق والجنس والطبقة، الأمر الذي قد يؤدي إلى عدم التنبّه إلى غيرها أو تجاهل أشكال أخرى غير واضحة أو محددة من أنماط القمع المتقاطعة لتأثرها وتغيرها بحسب الزمان والمكان.[1]

وقد قدم الكثير من الماركسيات والماركسيون، وأيضاً النسويات الماركسيات نقداً للتقاطعية، برز بجلاء في كتيب أنا امرأة .. وإنسان: نقد ماركسي نسوي لنظرية التقاطعية (I am a Woman .. and a Human: a Marxist feminist critique of intersectionality theory) بقلم إيف ميتشيل (Eve Mitchell).[12] (المقال الرئيسي لهذا الموضوع ”النقد الماركسي للتقاطعية)

ويقوم نقد إيف ميتشيل الأساسي لنظرية التقاطعية على أنها تعتمد بالأساس على سياسات الهوية مما يكرس لفردية النضال، لأنها تتجاهل الأسس المادية والنمط الإنتاجي الرأسمالي التي يقوم عليها الجندر والعلاقات الجندرية في شكلها المعاصر. وتجادل إيف بأن منظرات ومنظري التقاطعية لم يكونوا مخطئين بالضرورة، لكن تحليلهم كان منقوصًا، و بأنه لفهم التقاطعية والهوية، يجب علينا فهم علاقات رأس المال أو بكلمات أخرى مجموع العلاقات الاجتماعية للإنتاج في إطار النمط الحالي للإنتاج. ففي إطار تحوُّل نظام الإنتاج من الإقطاعية للرأسمالية، بدأ التقسيم الجندري للعمل (النساء ينجبن ويدرن المنازل، والرجال يخرجون للعمل)، وبالتالي تطورت علاقات جندرية جديدة في الطبقة العاملة، واتخذت تلك العلاقات أشكالاً جديدة لتتناسب مع هذا النمط الجديد للإنتاج.

و تنطلق مشكلة النسويات الماركسيات مع سياسات الهوية من كون تصنيفات الهوية تعيد تكرّس الرأسمالية، بحيث ينفرد كل شخص بالتفكير في القضايا التي تمسه وبالهويات التي تشكله، ويتشتت النضال العام للطبقة العاملة ككل وللنساء كعنصر مستغل في النظام الرأسمالي، بحيث يوجد نضال منفصل لكل فئة على أساس الهويات التي تجمعها. ومن هنا ترى إيف ميتشيل أن سياسات الهوية هي نهج بورجوازي وشديد الفردية، وأنه علينا أن نناضل من أجل مجتمع يتجاوز فكرة الهويات ويسمح للجميع أن يعبّروا عن نشاطهم الذاتي متعدد الجوانب كيفما شاءوا. وبرأيها فإنه من المهم أن يناضل السود لسوادهم والمثليين لمثليتهم ..إلخ، ولكنها تقول أيضًا أنه بالتوقف عند جانب واحد (السواد، المثلية، النسائية ...إلخ) سنصبح نحن من يعيد إنتاج نفس مظهر الفرد المغترب أحادي الجانب تحت الرأسمالية، في حين ما علينا التفكير به هو أنه لا يكفي أن نقول "أنا امرأة" ولكن يجب إضافة الجانب الآخر للتناقض "وأنا أيضًا إنسان".

كما يتحدى النقد الماركسي فكرة المطالبة بالمساواة بين المجموعات المختلفة، وتحديد ما هي هذه المجموعات من خلال هويات متعددة لكنها أيضا محددة في إطار التقاطعية، وأنه بهذا يتِّخذُ النضالُ شكل تحقيق تساوٍ ظاهري لأعداد الأشخاص من الفئات المبنية على الهويات المختلفة، أو في حقوقهم، بينما النضال العام من أجل حقوق إنسانية قد يتعطل في النضالات الفردية المشتتة لاكتساب اجتزاءات مختلفة من الحقوق، وبهذا فالنضال من أجل التحرر يجب أن يبنى على كل من الخاص والعالمي.

وفي اشتباك الباحثة النسوية سارة سالم مع مقال إيف ميتشيل، في مقالها النسوية الماركسية كنقد للتقاطعية (Marxist Feminism as a critique of intersectionality)، تقترح مقاربة جرامشي للنسوية كحل أكثر فاعلية من حل النسوية الماركسية الذي اقترحته إيف ميتشيل في ورقتها، وتعلّل سارة سالم مقترحها باهتمام جرامشي بالنظر لكل من المادية والأفكار في آن واحد، فهو يرى أن "الأفكار والمادية دائمًا مرتبطتان بعضهما بالأخرى، تقوّي إحداهما الأخرى، ولا يمكن اختزال إحداهما بالأخرى"، وهي من جهتها ترى أن مقاربة جرامشي ستساعد على فهم الجندر من خلال تفكيك الطرق التي بُني بها كأيديولوجية ناتجة من القوى المادية للتاريخ، التي بدورها تنتجه وتُنتَج من خلاله كمجموعة من الأفكار التي تُبنى.

كما أنها ترى أن مفهوم جرامشي عن "الهيمنة" -- كون القوى الكبرى تحمي مصالحها من خلال الهيمنة على مستويين: السلطة والقوة من جهة، والتراضي وإخضاع المجتمع من خلال منظومة الاقتصاد ومجتمع المنتفعين[13] -- يساعد في تحليل "الهيمنة" في البُنى الاجتماعية، بما يتضمن الاقتصاد والثقافة والجندر والعرق والطبقة والأيديولوجيا. وتضيف أن هذه النوع من المقاربات هو بالفعل تقاطعي، بالمعنى الذي يفي بأن "الهيمنة" هي حقيقة مفروضة، مبنية على أسس مادية محددة بأنماط الإنتاج، وأنها تعمل في إطار البُنى الاجتماعية المختلفة، والجندر هو أحد هذه البُنى. وبمعنى ما، فلقد تحدث جرامشي بالفعل عن فهم للجندر يتخطى حصره في الرجولة والأنوثة، ويصل لكونه واحدًا من البُنى الاجتماعية الكثيرة. وبالرغم من رؤية سارة سالم للمركزية الأوروبية التي تنطوي عليها كثير من تحليلات جرامشي، إلا أنها ترى أن الدمج ما بين مقاربته وما بين أفكار نسوية ما بعد الاستعمار مفيد للغاية.[14]

طالع/ي كذلك

مراجع

مصادر

  1. 1٫0 1٫1 1٫2 1٫3 قاموس الجندر، مركز دعم لبنان، 2016
  2. Constance Grady, "The waves of feminism, and why people keep fighting over them, explained",Vox, 20 July 2018
  3. 3٫0 3٫1 Jone Johnson Lewis, "National Black Feminist Organization (NBFO)", ThoughtCo, 25 March 2017
  4. The National Black Feminist Organization's Statement of Purpose, 1973،
  5. موقع مجموعة كومباهي ريفر،
  6. Combahee River Collective Statement
  7. 7٫0 7٫1 دليل المبادرات النسوية النسائية الشابة، نظرة للدراسات النسوية، مارس 2016
  8. محاضرة كيمبرلي كرينشو في فاعلية تيدتوك، 7 ديسمبر 2016، استرجعت بتاريخ 24 يوليو 2018
  9. مقابلة مع كيمبرلي كرينشو حول مفهوم التقاطعية قُبيل الاحتفال بالذكرى العشرين على تأسيس منتدى السياسة الأمريكية الأفريقية، موقع كلية الحقوق بجامعة كولومبيا، بتاريخ 8 يونيو 2017، استرجعت بتاريخ تاريخ 22 ابريل 2018
  10. محاضرة لكيمبرلي كرينشو، منشورة بتاريخ 14 مارس 2016، استرجعت بتاريخ 24 يوليو 2018
  11. استكشاف الهامش: التقاطعية، سياسات الهوية والعنف ضد النساء الملونات (1989)، ترجمة تامر موافي، اختيار، 2016
  12. كتيب أنا امرأة وإنسان: نقد ماركسي نسوية لنظرية التقاطعية
  13. الهيمنة الثقافية وتحدي الثورة، أماني السنوار، موقع إضاءات، منشورة بتاريخ 2017-03-03 (استرجعت بتاريخ: 2018-08-11)
  14. Sara Salem, "Marxist Feminism as a critique of Intersectionality", Feminist Current, 10 December 2013،